|
أحمد عماد المفوز - القسم السياسي - الجزيرة:
أكسب حضور صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز كحاكم سابق للعاصمة الرياض وركناً هاماً من أركان النظام السياسي في المملكة احتراماً دولياً؛ لما عرف عن تجربته الإدارية العريقة الممتدة لأكثر من نصف قرن كأمير لمنطقة الرياض.
وجعل تواجده في عواصم صنع القرار حول العالم أهمية مكّنته من لقاء قادة تلك الدول يقيناً منهم بأهمية الشخصية والمنصب والتجربة، والرؤية البعيدة المدى لقادة تلك الدول، لما يمكن أن يقود في بناء علاقات وتواصل مع شخص وموقع الأمير سلمان في البعد الإستراتيجي.
ويمكن أن يُقرأ ذلك في الاستقبالات واللقاءات التي يحظى بها الأمير سلمان في أماكن عدة، فغالباً ما يكون الإعداد لتلك الزيارات مبكراً وتكون ملفات التعاون والاقتصاد والسياسة في أجندة هذه النقاشات التي في الغالب تأخذ طابعاً بعيداً عن البروتوكولية. ويوحي جدول وبرنامج تلك الزيارة بالأهمية والحضور التي يمثلها الضيف الكبير. ونجد ذلك في التصريحات التي يدلي بها أطراف ومحللون على خلفية الزيارة أو ذلك اللقاء. وعكست جولات صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض على المستوى الخارجي المكانة المرموقة للمملكة عربياً وإسلامياً ودولياً، وحققت نقلة نوعية متميزة من العلاقات، كما كان لتلك النقاشات أثر ملموس خاصة في المجال التنموي والسياسي.
مارس الأمير سلمان بن عبدالعزيز مهام العمل العام في مقتبل حياته وكان باستمرار في قلب السياسة السعودية داخليا وخارجيا.
وبدأ المراقبون يلمسون هذا الحضور الفاعل بعد تعيينه وليا للعهد ووزيرا للدفاع وذلك من خلال العديد من الزيارات التي قام بها لعدد من الدول التقى قادتها في مهمات رسمية، كما زار عددا من الدول الخارجية والعربية والإسلامية مما كان له الأثر في الإسهام في تطوير علاقات المملكة معها.
وسنعرض كالتالي عن أهم الزيارات الدبلوماسية التي قام بها سمو ولي العهد ووزير الدفاع الأمير سلمان - حفظه الله -.
الهند
شكلت الزيارة الرسمية التي قام بها صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز حينما كان أميرا لمنطقة الرياض، مع وفد كبير من رجال الأعمال السعوديين للهند عام 2010 لبنة جديدة ومفصلا حيويا في ترسيخ العلاقات الثنائية بين البلدين، حيث اتت تلك الزيارة الهامة الى الانتقال الفعلي لاتفاقيات التعاون الموقعة بين المملكة والهند من الورق إلى حيز الممارسة، خاصة في ظل القناعة المتبادلة بين الطرفين بإمكانية إنجاح الشراكة الاقتصادية فيما بينهما كقطبين رئيسيين في الاقتصاد العالمي، وبعد أن أثبتت العاصفة المالية الدولية التي زعزعت عدداً كبيراً من اقتصادات العالم قدرة النظام الاقتصادي والمالي والمصرفي في المملكة والهند على تجاوز الأزمة والتقليل من آثارها.. بفضل السياسات الحكيمة والخطط المدروسة التي ينتهجها البلدان.. ما يتيح كل الاشتراطات الموضوعية لقيام شراكة متوازنة، وقادرة على فتح مزيد من فرص البناء الاقتصادي بما يحقق النمو لكلا الطرفين، ولعل الإلماحة المهمة التي أشار إليها سمو الأمير سلمان في كلمته خلال لقائه رجال الأعمال الهنود في غرفة تجارة دلهي حول السند التاريخي للعلاقات بين المملكة والهند، واستمرار هذه العلاقة في النمو عاما بعد آخر، هي تأكيد على منهج الاستقرار الذي يحكم هذه العلاقة بعيدا عن زوابع السياسة وانعطافاتها، وهو أكثر ما يؤثر في مناخات الاستثمار الاقتصادي، ويهدد الثقة، ويجعلها عرضة للتقلبات.. غير أن هذا الرصيد الكبير من الثقة المتبادلة على مر أكثر من خمسين عاما ومنذ زيارة الزعيم نهرو للرياض، والأساسات المتينة التي كرستها زيارة خادم الحرمين الشريفين للهند في عام 2006م، وما أبرم خلالها من اتفاقيات.. كان قد أفضى إلى هذا الحرص الكبير من الطرفين على دفع عجلة التعاون التجاري والاقتصادي بينهما إلى أعلى مستوياتها وبأقل ما يمكن من الوقت.. حرصا على استثمار روح التناغم السائدة التي باتت واضحة بين رجال الأعمال في البلدين.
وتقديرا لجهود سموه الطيبة في مد جسور الترابط بين المملكة والجمهورية الهندية منحت الجامعة الملية الإسلامية لسمو الأمير سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- شهادة الدكتوراه الفخرية في حفل خاص في مقر الجامعة في دلهي. وقد ألقى نائب رئيس الجامعة كلمة ترحيبية بسمو الأمير سلمان بن عبدالعزيز عبر فيها عن الفخر بقبول الأمير سلمان للدكتوراه الفخرية من الجامعة تقديراً لجهوده في مدينة الرياض التي جعل منها مدينة عصرية من أهم مدن العالم إلى جانب تولي سموه العديد من النشاطات الإنسانية والخيرية نال عليها تقدير المجتمع الدولي بدرع الأمم المتحدة.
- النرويج
قام صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز جولة اوروبية استهلها بزيارة إلى مملكة النرويج عام 2010، حيث لقي الترحاب الكبير من كبار المسؤولين في أوسلو على رأسهم الملك هارالد الخامس ملك النرويج، حيث قام مباحثات مع المسؤولين النرويجيين ملفات سياسية واقتصادية وعلى راسها القضية الفلسطينية وأسواق النفط والتعاون الاقتصادي، إضافة إلى بحث سبل توسيع العلاقات الثنائية بين البلدين الصديقين خاصة في مجالات التعليم والثقافة. حيث عقد الأمير سلمان بن عبد العزيز ووزير الخارجية في مملكة النرويج اجتماعا في بارك فيون في أوسلو.
وفي بداية الاجتماع، أعرب وزير الخارجية النرويجي عن شكره للأمير سلمان بن عبد العزيز على تلبيته الدعوة بزيارة مملكة النرويج، مؤكدا عمق العلاقات النرويجية - السعودية. وقال: «أمامنا مواضيع اقتصادية وسياسية سنتباحث فيها خلال هذا الاجتماع الذي نتطلع من خلاله إلى تعزيز مجالات التعاون بين بلدينا الصديقين».
من جانبه، أعرب الأمير سلمان بن عبد العزيز عن أمله بأن تسهم زيارته إلى النرويج في تعزيز العلاقات بين البلدين. حيث أكد سموه قوة علاقات المملكة مع النرويج ، مبرزا أهمية تبادل الزيارات بين المسؤولين في البلدين لتعزيز مجالات التعاون، مرحبا في هذا الصدد باستثمارات رجال الأعمال النرويجيين في المملكة.
وأوضح أمير الرياض آنذاك أنه صدرت الموافقة على فتح سفارة للمملكة العربية السعودية في النرويج بمناسبة زيارته إلى النرويج. وجرى خلال الاجتماع استعراض مجالات التعاون بين البلدين وسبل دعمها وتعزيزها. ولاشك بأن الزيارة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز إلى مملكة النرويج تأتي في سياق جهود سموه المتواصلة في تنمية وتطوير العلاقات الخارجية للمملكة مع مختلف دول العالم، كما تأتي تعبيرا عن اهتمام قيادتي المملكة والنرويج بتعزيز العلاقات بين بلديهما في المجالات كافة. وذلك حسبما أكد عليه سفير المملكة في النرويج السفير الدكتور عبدالرحمن الجديع بأن علاقات المملكة مع النرويج ستكتسب زخما جديدا نظرا لمكانة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز ودوره الكبير والقيادي والمؤثر على الصعد كافة المحلية والإقليمية والدولية.
المانيا
بدأ الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض زيارة رسمية إلى ألمانيا الاتحادية تلبية لدعوة تلقاها من نائب المستشارة وزير الخارجية الألماني الدكتور غيدو فسترفيلي، حيث أمير منطقة الرياض مباحثات مع الرئيس الألماني ووزير خارجيته، تتناول المواضيع السياسية لتنسيق المواقف بين السعودية وألمانيا، وتنمية الاستثمارات الألمانية في السعودية. وقال الدكتور أسامة بن عبد المجيد شبكشي سفير خادم الحرمين الشريفين لدى ألمانيا، إن زيارة الأمير سلمان بن عبد العزيز إلى ألمانيا، تتضمن مناقشة توأمة بين الرياض وبرلين ومباحثات سياسية واقتصادية.
وأوضح سفير خادم الحرمين الشريفين لدى ألمانيا، الدكتور أسامة شبكشي، عقب اجتماعات الأمير سلمان بن عبد العزيز التي جرت في برلين، وتم خلالها مناقشة عدد من الموضوعات المهمة.
وقال السفير شبكشي في تصريح لوكالة الأنباء السعودية «إن الأمير سلمان بن عبد العزيز أكد خلال المباحثات أن المملكة تأمل الإسهام في استعادة بقية الرهائن» منوها بالتعاون البناء والمثمر بين البلدين الصديقين.
وأبان أن وزير الخارجية الألماني أكد اهتمام حكومة بلاده بمواقف خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز إزاء قضايا الشرق الأوسط ومبادرته للحوار بين أتباع الأديان والثقافات. وأشار إلى أن المحادثات أوضحت تطابق وجهات النظر بين البلدين في جميع الموضوعات، لا سيما العلاقات الاقتصادية والعلمية والثقافية. ونوه السفير بما حملته زيارة الأمير سلمان بن عبد العزيز لجمهورية ألمانيا من أبعاد كبيرة لدى ألمانيا، مضيفا أن ألمانيا استقبلت الأمير سلمان بحفاوة كبيرة. في غضون ذلك تسلم الأمير سلمان بن عبد العزيز خلال زيارته لالمانيا، ميدالية «كانت»، التي منحتها له أكاديمية برلين براندنبورغ للعلوم تقديرا لإسهاماته في العلوم.
جاء ذلك خلال حفل أقامته أكاديمية برلين براندنبورغ للعلوم في مقرها بالعاصمة الألمانية برلين، وسط حشد كبير من العلماء والأكاديميين الألمان. وكان في استقبال الأمير سلمان لدى وصوله مدير الأكاديمية البروفسور جونتر شتوك، ووكيلة وزارة الاقتصاد والتقنية وشؤون المرأة في حكومة برلين ألموت نيرنغ.
وألقى مدير الأكاديمية كلمة بالمناسبة، رحب فيها بالأمير سلمان بن عبد العزيز، منوها بدوره في تشجيع العلوم والمعارف. وقدم البروفسور جونتر شتوك نبذة عن أمير منطقة الرياض وإسهاماته الإنسانية والعلمية في كل المجالات، وخاطبه قائلا «إن إسهاماتكم الإنسانية والعلمية تخطت حدود بلادكم لتشمل العالم».
وأكد أن الأمير سلمان بن عبد العزيز أثبت دوره الرائد في تشجيع العلوم من خلال إسهامه في واحة الأمير سلمان للعلوم التي أكد أنها ستكون أداة فاعلة ومثالا يحتذى في مجال دعم النشاط التعليمي العام ونشر الثقافة العلمية في المجتمع، وأنها ستمارس الدور نفسه الذي تقوم به أكاديمية برلين براندنبورغ للعلوم.
بريطانيا
اجتمع الأمير سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد ووزير الدفاع بمعالي وزير الدفاع البريطاني فيليب هاموند وذلك بمقر وزارة الدفاع البريطانية.
وتم خلال الاجتماع بحث مختلف أوجه التعاون بين المملكة وبريطانيا والسبل الكفيلة بتعزيز تلك العلاقات الوطيدة انطلاقاً من مسيرة التعاون والصداقة بين البلدين وبما يخدم المصالح المشتركة لهما.
وترى مصادر سياسية مطلعة ان هذه الزيارة التي قام بها الأمير سلمان بوصفه وزيرا للدفاع تصب في خدمة الجهود السعودية الدؤوبة لبناء قوة بحرية دفاعية كبيرة في منطقة الخليج بالتعاون مع جاراتها الشقيقات، وتكشف عن رغبة سعودية في إشراك بريطانيا في ذلك المشروع الكبير.
واظهرت المصادر أن نقاشاً مستفيضاً يدور حالياً بين السعودية وبريطانيا حول تطوير درع حماية صاروخي في الخليج العربي سيكون لبريطانيا بالاشتراك مع الولايات المتحدة دور كبير في اكماله وأن الدولتين تعتبران أقوى دولتين في العالم من الناحية العسكرية، ولفتت تلك المصادر إلى أن الأمير سلمان ناقش بعمق مع رئيس الوزراء البريطاني كأميرون الموقف من ايران ووجوب الضغط بقوة عليها لاحتواء عسكرة مشروعها النووي، كما ناقش الوضع في سوريا ووجوب التدخل الدولي لإيقاف المذابح التي يرتكبها النظام السوري الذي أصر الأمير سلمان خلال اللقاء على عدم شرعيته ووجوب تغييره عاجلاً.
الولايات المتحدة الامريكية
أتت زيارة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز، ولي العهد ووزير الدفاع، إلى الولايات المتحدة الأمريكية عام 2012 قبيل انعقاد قمة حلف الناتو في شيكاغو، التي ستدور حول توسيع عمل الحلف بعدما ثَبُتَ أن المشكلات التي يواجهها العالم اليوم لا تنحصر في محيط واحد، وأن تعاون الحلفاء في الدفاع عن القيم المشتركة في البلقان وأفغانستان والشرق الأوسط وشمال إفريقيا يستلزم ضم أعضاء وشركاء جدد.
ويحتاج حلف «الناتو» حسب وصف وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون إلى تطعيم حتى يتمكن من الاستمرار في ممارسة مهامه في مختلف أرجاء العالم، وهنا تكمن أهمية المملكة العربية السعودية وحلفائها العرب (الناتو العربي) كجزءٍ مما وصفته الوزيرة الأمريكية بالمعركة من أجل المستقبل، لاسيما وأن أعضاء الناتو -كما تقول كلينتون- يتجهون في المرحلة المقبلة إلى نقل المسؤولية الأمنية إلى أفغانستان وإلى القوات الأفغانية بحلول عام 2014 وتخفيض أعداد قوة المساعدة الأمنية الدولية (إيساف) في أفغانستان لتحويل دورها من «قتالي في الأغلب الأعم إلى مساند» وذلك من خلال التدريب وتقديم المشورة والمساعدة خلال عام 2013..
من جهتها قالت رئيسة اللجنة الفرعية للاستخبارات في الكونغرس الأمريكي، سوزان مايرك، إنه على الرغم من الخلاف الدائر بين الكونغرس والإدارة الأمريكية حول موضوعات السياسة الخارجية فإن توافقا بين الجانبين بات أوضح على أثر زيارة صاحب السمو الأمير سلمان وزير الدفاع السعودي للولايات المتحدة، وبحسب «مايرك» فإن دعم واشنطن للمملكة يتوازى مع دعمها لتركيا إن لم يزد، فلأول مرة يعطي الكونغرس الضوء الأخضر كاملا تجاه المملكة، بما في ذلك المعارضين الجمهوريين جون ماكين وجو ليبرمان. وبداية عام 2012 بيعت إلى السعودية صفقة الأسلحة الأكبر في تاريخ صفقات السلاح الأمريكية حيث يقدر ثمنها بستين مليار دولار.
وبحسب مراقبين أمريكيين، ينبغي النظر إلى زيارة الأمير سلمان إلى الولايات المتحدة من منظور أشمل من البعد العسكري والاستراتيجي المشترك، ذلك لأنه لا يوجد حليف الآن في منطقة الشرق الأوسط أهم من المملكة العربية السعودية، ويعتبر المراقبون أن البلدين ابتكرا صيغة جديدة ومتميزة للشراكة والتوافق بشكل عام في القضايا السياسية والاقتصادية الحيوية، والتعامل معها كحزمة واحدة، تعتمد على تأمين الأهداف المتبادلة بين البلدين.
من جهة أخرى، انعكست قوة العلاقات الأمريكية السعودية في الجو المصاحب لزيارة الأمير سلمان ومحتواها ونتائجها، إذ أثبتت هذه الزيارة أن المملكة ليست فقط حليفا استراتيجيا في مفاوضات السلام بين العرب وإسرائيل، أو في المساعدة على دعم الاستقرار في العراق، أو قضايا الأمن الإقليمي في الخليج في مواجهة إيران، وإنما في تعزيز الرؤية الحضارية للإسلام في العالم في مواجهة الإرهاب والعنف الذي أُلحِقَ به من قِبَل تنظيم القاعدة والتنظيمات الراديكالية الأخرى. وتتميز المملكة بخصوصية أنها قلب العالم الإسلامي مما يجعلها بمثابة المركز الرئيس لإقامة علاقات بناءة ومتوازنة بين الغرب (غير المسلم) والعالم الإسلامي.