|
في حياة القادة والنبلاء وسيرتهم ومسيرتهم مواقف ومفاصل قد لا يعرفها العامة، لاسيما إذا كان هؤلاء لا يرغبون في الإطراء والتمجيد ورسم هالات إعلامية حول كل عمل إنساني وخيري يقومون به، من هؤلاء صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس الوزراء وزير الدفاع حفظه الله، فإن له أيادٍ بيضاء ناصعة في مجالات الأعمال الخيرية الإنسانية، كما أن له دور فاعل ومؤثر في تنشيط فواصل كثير من المؤسسات والدوائر المهمة بالبر والتكاتف بين أفراد المجتمع، وتلك المعنية بالتراث وحفظ مآثر وموروث الآباء والأجداد وتاريخ المملكة والجزيرة بصفة خاصة، هنا لن نسرد مواقف وقصص تبرهن على هذا الجانب، إنما سنقتصر على إعادة ما كان قد شهد به عدد من المهتمين من أصحاب الفكر والقلم ممن دونوا شيئاً ولو يسيراً عن جهود سمو الأمير سلمان بن عبدالعزيز في هذه الجوانب المضيئة، نوردها أو أجزاء منها كملمح إنساني معرفي وإيصالاً لمعلومة قد تغيب عن ذهن البعض..
اهتمام سموه بتاريخ المملكة
هذه أسطر مما كتبه الأمين العام لدارة الملك عبدالعزيز الدكتور فهد بن عبدالله السماري، تتضمن ملامح من جهود سمو الأمير سلمان في هذا الجانب، إذ يقول:
أود أن أشير إلى بعض ما قامت به دارة الملك عبد العزيز في جانب الحراك العلمي في مجال التاريخ الاجتماعي، وكذلك ما ستقوم به الدارة في المستقبل القريب بتوجيه ودعم من صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع ورئيس مجلس إدارة دارة الملك عبد العزيز، الذي يحرص كل الحرص - حفظه الله - على أن تقوم الدارة بدورها العلمي والوطني بشمولية وتكامل دون تقصير جانب عن آخر، برؤية مؤمنة بوحدة التاريخ لا بتجزئته، حتى لا يعامل بانتقائية تربك الحقائق العلمية وتقدمها بصورة خديجة ومبتورة، ومن ذلك:
أولاً: مشروع توثيق الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية في المملكة العربية السعودية:
1- تستعد دارة الملك عبد العزيز لتنفيذ مشروع كبير على المستويين الجغرافي والتاريخ تحت اسم (مشروع توثيق الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية في المملكة العربية السعودية) سيكون - إن شاء الله - بمنزلة كتابة شاملة للتاريخ غير السياسي للمملكة العربية السعودية منذ الدولة السعودية الأولى، ويهدف إلى توثيق الجوانب الاجتماعية والثقافية والاقتصادية وعلاقاتهم التأثيرية المتبادلة، وسيكون من مهماته لتحقيق هذا الهدف التطواف على كل مناطق المملكة العربية السعودية ومحافظاتها ومدنها وقراها ومراكزها بفرق علمية مؤهّلة لتوثيق الحياة السعودية عبر التاريخ بشكل واقعي وصحيح بتنوّعاتها الاجتماعية (أنظمة اجتماعية)، والبشرية (مناطق جغرافية متنوّعة)، والثقافية (قيم وعادات وتقاليد وممارسات ثقافية متنوعة في المناسبات المختلفة)، واقتناء الوثائق التاريخية المؤكدة لهذه التفصيلات سواء الوثائق المكتوبة المحفوظة لدى الوزارات الحكومية وإمارات المناطق ومراكز البحث الوطني المعنيّة بدراسة وسبر البناء الاجتماعي وتغيّراته، وكذلك الاستفادة من التجارب والكوادر الأكاديمية والدراسات العلمية لدى الأقسام الجامعية التي لديها علاقة علمية بالتراث الاجتماعي والثقافي، وكذلك الاستعانة بما لدى المؤسسات الأهلية والأفراد من مناهج بحثية سواء داخل المملكة العربية السعودية أو خارجها في هذا السياق، واستثمار مقتنيات المهرجانات والقرى التراثية والأسواق الشعبية والشروحات العلمية المتخصصة في الوصول إلى ماهية التراث السعودي، ومن ثم العمل على جمع عناصره وتوثيقه، كما سيكون من آلية تنفيذ المشروع الذي تهيب الدارة بالجميع التعاون معه بصفته مشروعاً علمياً وطنياً، الاستدلال بالوثائق الشفهية المرويّة عن صدور الرواة وشهود العيان والمهتمين والمعمّرين والمخضرمين من الجنسين كونهم الذاكرة الشعبية الحية.
ثانياً: مشروعات علمية سابقة ومستقبلية أخرى:
لم تغفل دارة الملك عبد العزيز مثلها مثل كل المراكز المماثلة في العالم عن هذا الجزء المهم من التاريخ، بل نفّذت فيه عدداً من الإنجازات بعد أن شملت التاريخ السياسي وأسّست لبحوثه ودراساته الاستمرارية، من خلال بعض اللقاءات والجوائز المستمرة وكراسي البحث والدراسات المشتركة، لتكون حافزاً دائماً للبحوث الابتكارية والإبداعية والتحليلية في الجانب السياسي، فقد قامت دارة الملك عبد العزيز ضمن أنشطتها العلمية، سواء في اللقاءات المتخصصة أم في النشر العلمي، بأعمال توثيقية للحياة الاجتماعية، إلا أنها متفرقة إلى حد ما لكنها عدّت محفزاً لبحوث تالية وأفكار جديدة في هذا السياق، وشجع ظهورها أفكاراً متردّدة على التنفيذ، ومن تلك الأعمال على سبيل المثل لا الحصر:
أولاً - في مجال اللقاءات العلمية المعنيّة:
أ- كان من ضمن رؤية الدارة في أثناء وضعها لمنهج عقد الندوات الملكية التي اضطلعت بتنفيذها منذ خمس سنوات، وبدعم من سمو ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع ورئيس مجلس إدارة دارة الملك عبد العزيز - حفظه الله -، أن تؤرّخ هذه الندوات ضمن أهدافها العديدة لأجزاء من الجانب الاجتماعي مثل التعليم والإعلام والثقافة والإدارة والتنمية وغيرها، وقد طبعت الدارة الأوراق العلمية لهذه الندوات التي شملت تاريخ الملك سعود بن عبد العزيز - رحمه الله - حتى عهد الملك خالد بن عبد العزيز - رحمه الله -، في إصدارات متاحة للجميع لتعميم الفائدة وللتوثيق والمرجعية العلمية.
ب- النتائج الكبيرة التي حققها مشروع توثيق المصادر التاريخية في المملكة العربية السعودية الذي نفّذته دارة الملك عبد العزيز على مدى خمس سنوات منذ مطلع سنة 1416هـ، والذي سعى إلى رصد الوثائق التاريخية وجمعها ومعرفة مواقعها، من خلال فتح شراكة وطنية مع الأفراد والمؤسسات المهتمة والمكتبات الخاصة والعامة، كان من ضمنها تحقيق بعض المعلومات عن التاريخ الاجتماعي في كل مناطق المملكة العربية السعودية، في جوانب مثل الأزياء والفلكلور والأكل والمشرب والعادات والتقاليد، وأنماط العلاقات بين الأفراد بعضهم ببعض من جهة، وعلاقاتهم مع المؤسسة الاجتماعية الطبيعية من جهة أخرى، وقد سجلت الدارة بعض الإشارات العلمية المهمة عن هذا التاريخ، ستستعين بها في مشروعها المقبل (توثيق الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية في المملكة العربية السعودية)، الذي ستنطلق أعماله الميدانية التوثيقية قريباً بإذن الله.
ثانياً- في مجال النشر العلمي:
قدمت دارة الملك عبد العزيز مجموعة من الإصدارات المتخصصة والمحكمة في مجال التاريخ الاجتماعي، التي رصدت صوراً للحياة اليومية في المملكة في مراحل سياسية واقتصادية مختلفة، سواء بتكليف منها لعدد من الباحثين والباحثات أو بموافقة اللجنة العلمية على مواد بعض الكتب المعروضة عليها، أو بنشر رسائل جامعية متميّزة هي من اهتمام الدارة لكثير من طلاب البكالوريوس والماجستير والدكتوراه في جامعات المملكة العربية السعودية.
سلمان والإسكان الخيري
مما كتب عن هذا الجانب كان بقلم الدكتور يوسف بن أحمد العثيمين، حين قال:
أحرص - ما وسعني إلى ذلك سبيلاً - على حضور حفلات وضع حجر أساس مشروعات الإسكان الخيري التي تنفذها جمعية البر الخيرية بمنطقة الرياض، تحت اسم مشروع الأمير سلمان للإسكان الخيري، وبرعاية مستمرة ومباشرة من أمير المنطقة سلمان بن عبدالعزيز.
ولست - هنا - بصدد عملية (جرد) لسجل سلمان بن عبدالعزيز ومآثره الحميدة في مجال العمل الاجتماعي والخيري والإنساني؛ فهو مَنْ هو في هذه الأعمال، منذ نصف قرن، بدءاً بجهود التبرعات لإخواننا الجزائريين لمناهضة الاستعمار الفرنسي، مروراً بـ(ادفع ريالاً تنقذ عربياً) لدفع العدوان الصهيوني عن إخواننا الفلسطينيين، وانتهاءً بهذه المجمعات السكنية العصرية الخيرية التي تُشيّد في أحياء متفرقة من مدينة الرياض لرعاية فقراء المنطقة، تمهيداً لنقل هذه التجربة الناجحة إلى خارجها قريباً.
قراءة لهذه المسيرة الخيرية الثرة والطويلة تقود إلى نتيجة في غاية الأهمية الإستراتيجية في قيادة ونجاح العمل الاجتماعي في هذه المملكة.. إنني عندما شرفتُ - معتزاً - بتكليف من سموه بإدارة الجمعية الخيرية لرعاية الأيتام بمنطقة الرياض، عند بداية تأسيسها قبل عدة سنوات، وطُلب منّي تحويل نظامها الأساسي إلى برنامج (عمل) يخدم أيتام المنطقة، ويرعاهم، ويحولهم إلى طاقات إنسانية منتجة، لتكون - بإذن الله - صالحة ونافعة لنفسها وأسرها ومجتمعها ووطنها، أحسستُ أن (سلمان) لا يريد أن يكون رئيساً شرفياً، بل يريد رئاسة فعلّية، وبما تعنيه هذه العبارة من متابعة ورعاية واهتمام، حتى (تعقيب) مباشر من سموه لدى الجهات الحكومية والأهلية، فضلاً عن قيادة حملات التبرعات مع الموسرين وأصحاب القلوب الرحيمة.. وأذكر أنه، في عدة مناسبات مُعلنة، كان يشير إلى أن المساهمة ليست بالمال وحده، بل إن هناك وجوهاً أخرى للمساهمة في العمل الخيري والإنساني والتطوعي، تشمل الجاه والجهد والفكر والوقت والخبرة.
لقد أصّل (سلمان) بذلك لتوجه يعتبر من أساسيات (النجاح) في العمل التطوعي والخيري والإنساني والاجتماعي، وفي قيادة منظمات المجتمع المدني.. ذلك التوجه الذي يقوم على مبدأ تشجيع وإطلاق مكامن الطاقة الإيجابية لدى ما يُسمى، بلغة الأكاديميين، (المجتمع المحلي). لقد اكتشف (سلمان) - مبكراً - سر نجاح العمل الاجتماعي والخيري عندما توجه بما لديه من مال وفكر وخبرة وجاه - وبدأ ذلك بنفسه وولده وأحفاده - إلى (مجتمع منطقة الرياض)، عندما بدا واضحاً له أن هذا المجتمع، مثله مثل غيره، فيه فقر وحاجة، وفيه فئات تحتاج إلى رعاية.. وفيه، في ذات الوقت، غنى وملاءة، وفيه فئات قادرة على سداد هذه الحاجة، وأنه بشيء من المثابرة والمتابعة، وبذل الجاه والمال، يستطيع أن يزكي الرغبة الكامنة لدى النفس البشرية لمساعدة ورعاية (الأقرب) من الأولى بالرعاية والمساعدة في المنطقة.
البرامج التكافلية
الأمير سلمان: ديمة الإنسانية الماطرة، تحت هذا العنوان كتب الأستاذ مصطفى بن محمد كتوعة، يقول:
خمسون ألف حقيبة مدرسية قامت جمعية البر بالرياض بتوزيعها مع بدء العام الدراسي على أبناء أكثر من 8000 أسرة من الأسر التي تشملها الجمعية ببرامجها التكافلية عبر فروعها ضمن أنشطة واسعة لتقديم العون المالي والعيني من أثاث وملابس وأجهزة منزلية ضرورية.. رقم غير قليل يعكس ولله الحمد الخير في النفوس الكبيرة الكريمة التي تجسد الروح الإسلامية الأصيلة من التكافل والتراحم، وهذه الجهود الخيرة يقودها ويدعمها بسخاء صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض رئيس مجلس إدارة جمعية البر.. هذه القامة الإنسانية العالية التي حببها الله في الخير وحبب الخير إليها.
إننا نحمد الله عزَّ وجلَّ على أن منَّ على هذا الشعب الأصيل بولاة أمر يضعون شعبهم في سويداء قلوبهم ويعملون بذلاً وتوجيها ومتابعة لحاضره ومستقبله، ويستعذبون البذل ويسارعون إليه مسارعتهم في الخيرات في تجارة مع الله لن تبور، جزاهم الله خير الجزاء. والحقيقة أن هذه الأعمال الجليلة لأمير الإنسانية سلمان بن عبدالعزيز لا تحدها حدود، حيث يقود وفقه الله منظومة واسعة وعالما رحبا من العطاء، وفي ذلك تقدم يمينه ما لا تعلم شماله، وعطاءاته الخيرة في كل مكان عبر صروح شامخة للعمل الخيري المنظم. وإذا قرأنا مجالاتها وبرامجها يصعب علينا حصر تفاصيلها وعلمها عند الله.. فهذه الأعمال الخيرة تشمل رعاية المسنين، ورعاية الأسر الفقيرة ورعاية المعاقين والأيتام وإسكان الفقراء.. إنها عناوين لساحة واسعة من البذل الذي يسارع سموه إليه ويبارك كل جهد صادق نحو هذا التكافل، فسمو الأمير سلمان يحب أن يكون حاضراً بقلبه الكبير ودعمه الإنساني اللامحدود بجانب إخوانه وأبنائه المواطنين الذين يتلمس حاجاتهم.
رعاية الأيتام
الأمير سلمان قلب ينبض بحب الخير ورعاية الأيتام، بهذه الكلمات عَنْوَنَ رئيس مجلس إدارة مجلة (نون) الأستاذ أحمد الرميح مقالة له حول هذا الجانب، حين كتب قائلاً:
المتتبع لمسيرة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض يجدها مسيرة حافلة، وزاخرة بالأعمال الإنسانية، بل يجدها موسوعة خيرية يصعب اختزالها من خلال الكتابة أو الحديث عنها.
فحب العمل الخيري بمختلف أطره وأوعيته متأصل في نفس سموه، وممارسة الأعمال الإنسانية والحث عليها ودعمها، صار جزءاً أصيلاً في ثقافته العملية والحياتية. مسؤولياته المتعددة تجاه إمارة منطقة الرياض لم تشغله عن الالتفات إلى حالات الفقراء والأرامل والمعاقين والأيتام وتقديم الأعمال التي تخفف من معاناتهم وتجفف دموعهم.. في كل جزء من وقته لحظات يقتطعها الاهتمام بفعل الخير والعمل الإنساني بشكل عام.
لكن فئة الأيتام التي افتقدت عائلها، وافتقدت الحنان تجد في قلب الأمير سلمان متسعاً يمدها بحنان الأبوة ويزرع في طريقها الأمل والسعادة.. وما يبذله تجاه هذه الفئة العزيزة والغالية على قلوب كل الناس يمثل لهم البلسم الشافي لجراح آلامهم.. يجدونه أباً للجميع وداعماً قوياً للجمعية الخيرية لرعاية الأيتام بمنطقة الرياض (إنسان) فكل يتيم من بين أكثر من أحد عشر ألف يتيم ويتيمة، يجد في عطف الأمير سلمان حنان الأب ورحمته وعطفه وبالتالي لا يحس بالفقد.. ويخف شعوره بالحرمان، وتزداد نفسه فرحاً وسروراً وسعادة وهناء.