أثارت خطبة الجمعة للسيد علي الناصر - أحد أهم أعلام الشيعة في المنطقة الشرقية - زوبعة نقد عريضة النطاق في المجتمع الشيعي وبين عامة الناس وبعض المثقفين.
القريب من الخطاب الشيعي في المنطقة سوف يدرك سر الامتعاض العام الذي خلَف الخطبة. رغم أن وضع الشيعة في المنطقة الشرقية كلهم في سلة واحدة من الأخطاء الجسيمة والشائعة. فالشيعة في غالبيهم مجتمع مسالم حيّ. مهموم بشؤون حياته وتطويرها، ويسهم غالبيتهم إسهامات كبيرة وعالية الجودة في مرحلة التغيير الذي شملت ربوع المملكة. ولكن في ثنيات هذا المجتمع الناهض والرفيع يوجد أفراد ما زالوا واقعين تحت تأثير الاختطاف والتخدير الساذج بحس الثورة ودعاوي التحريض والكراهيات.
هؤلاء - القلة - الذين تعودت آذانهم على ألحان الرفض والتحريض في لبها أو مضمونها. فالعزف على وتر المظلوميات وشحن النفوس بالغضب والكراهية ضد الدولة قصة قديمة بدأت منذ انتصار الثورة في إيران وإسهامها بشق شرخ كبير بين المواطن الشيعي الكريم والحكومة. مما هدف إلى إقصاء الشيعة وعزلهم وحشدهم في جبهة مواجهة مدفوعة بأسباب مُختلقة ضد القيادة في الدولة الممثلة بأبناء جلدتهم وأخوتهم في الدين.
وليست أحداث 79 الميلادية على سبيل المثال إلا أحد منتجات هذا الخطاب المدفوع بقوى خارجية تهدف للتوسع السياسي عن طريق استغلال المذهب. لذاك كله وأكثر، ليس غريباً أن تثير خطبة السيد تلك هجوماً مُضاداً شنته بعض هذه الذهنيات التي ما زالت تحت تأثير التخدير بخطاب التحريض واستلهام مفردات الثورة والكرامة لتجييش النفوس وإحمائها ومن ثم طرقها حسب أهداف غامضة على المستمع البسيط في الغالب. الفئة القليلة في المجموع الشيعي العزيز هي التي تشكل النظرة العامة وتسير الأحداث في المنطقة. السبب المؤسف هو أن صوتها أعلى. وسطوتها أكبر. هؤلاء أصدقاء الموت الذين يسرقون الحياة من أحبابها..
السيد علي وبحنكة بالغة ورؤية عميقة وبعيدة لمجريات الأمور يضع أول لبنة في جسر التغيير الذي لو فطن له هؤلاء فسوف يدركون زمن التكاتف الفعلي لا القولي والرنان ذلك الذي يغلف به البعض خطابات الفِرقة والتحريض.
ما الجديد في خطاب السيد الناصر؟
(كل أمة لا تعيش في ظل أمن وأمان وفي ظل نظام يرعى ذلك الأمن والأمان لا شك أنها أمة ضائعة وتعيش في حالة سقم وعذاب وألم. وكل نمو ينشأ في حياة الإنسان لا يتوفر إلا في ظل نظام صارم يحقق للإنسان الأمن والأمان ويحافظ عليه في جهاته الثلاثة: نفسه وماله وعرضه).
بهذه العبارات الإيجابية بدأ حديثه الذي يحمل بين جنباته بشائر الزمن الجديد الذي يهدف لتحرر الذهنية المختطفة بالكراهيات وموروث الاضطهاد الذي خمّرت النفسية الشيعية عبر قرون طويلة. هل نختلف أن الأمن والأمان هو الأرضية والأساس الراسخ لأي عملية تنمية قادمة. وبدون تلك الأرضية سوف يتفرغ الناس للصدامات ويتعرض المجتمع لزعزعة واستلاب نحو هدر الطاقات وتضييع الفرص؟ فمن اختلف مع السيد في أن الأمن هو حجر الأساس لكل عمليات تطوير الحياة في كل الأصعدة فلن يختلف مع الله تعالى حين أكد ذلك في سورة قريش (وآمنهم من خوف)!.
لم يطلب السيد أكثر مما جاء في سورة قريش التي تحث الناس على شكر الله على نعمة الأمن والأمان. فلماذا إذن كل هذا الهجوم؟
إني هنا لا أطرح سؤالا أنا أعرَف بجوابه. لأن اتهام السيد بالانبطاحية والخيانة وكل تلك التهم في تويتر والفيس بوك وبرامج التواصل الاجتماعي لم تكن جديدة على المجتمع الشيعي. فقد اتهم كل من مد يده للمصافحة أو بذر بذور التفاؤل وحاول جذب العقليات نحو المستقبل والتنمية ونفض غبار الماضي بتلك التهم وأكثر من تلك الفئة المختطفة والقليلة ومثيرة الجلبة والتي لا تمثل الشيعة الكرماء في الشرقية. تلك الفئة في المجتمع الشيعي التي ما زالت في حالة تنويم مغناطيسي قديم الأثر يصعب الاستيقاظ منه بسهولة.
الأمر الذي صدح به السيد بكل شجاعة عندما قال: (لو نظرنا لتلك الدول التي لنا صلة بهم الذين نحن سلمناهم أنفسنا وأعراضنا وما لنا لتكون لهم الحماية عليها. سنرى أن قلوبهم لا تتسع لذلك).
إن هذه العبارة التي تؤكد بُعد نظره وذكائه تستلزم محاولات مستديمة لهدم الثقة الكبيرة التي أولاها بُسطاء الشيعة للسلطات الخارجية التي أوهمتهم بأخوة المذهب والمصير المشترك والتي سوف تتركهم في أول تجربة صعبة في مواجهة الأضرار المترتبة. أو سوف تزج بهم في معاركها الشخصية. كما أكد الشيخ الطفيلي الأمين العام السابق لحزب الله في لبنان حينما قال (سياسة إيران سوف تدمر الشيعة). بخصوص زج أبناء حزب الله في حرب سوريا بجوار سلطة البعث الدموية.
المأخذ الذي يأخذه هؤلاء على خطاب السيد أنه امتدح الدولة وقارنه بالأنظمة الأخرى. واصفا إياه أنه من أفضل الأنظمة الموجودة وحدد ذلك بـ:
1- نظام يرتبط بالقرآن الكريم.
نعم وتلك هي الحقيقة التي لا ينكرها أحد بأن السعودية هي الدولة الوحيدة في العالم التي تستمد منهجها من الشريعة الإسلامية في قوانينها الرسمية التي تعمل بها في دور القضاء ومفاصل الحياة.
2- نظام صلب في حفظ الأمن والأمان.
وتلك حقيقة أخرى حيث إن تجربة المملكة في مكافحة الإرهاب -مثلا وليس حصراً- قد حققت نجاحا واسعا الأمر الذي دفع الدول الأخرى باستلهام التجربة السعودية ونقلها لدولهم.
كما ختم خطابه الحُر والنزيه والشجاع بـ: (إن أمة لا تستطيع أن تؤمن نفسها في أموالها وأعراضها لا تملك حتى الطريق الذي يشدها إلى الله).
السيد يهدف لحقن هؤلاء البسطاء بحقنات التعاون والإيجابية. ليصعد بتلك الفئة إلى فضاء التفرغ الكامل للتنمية وترك أوهام المظلوميات التي أمرضت القلوب وأضعفت الهمم وصرفت الجهود والطاقات لمصادمةٍ من شأنها خلق معركة وهمية الأهداف لا حاجة للأمة بها. لكأنما يريد أن يقول لهم: كفوا عن محاربة طواحين الهواء والتفتوا للنماء في جميع الأصعدة العلمية والاقتصادية والاجتماعية والعبادية أيضاً. عن طريق تأسيس بنية تحتية سليمة تبدأ بالحفاظ على الأمن والأمان في المنطقة. حينما قال: (يجب علينا أن نشكر نعمة أننا في ظل نظام نتمتع فيه بالأمن أفضل من الأنظمة الأخرى. ولذلك أننا في تواصينا على التقوى يجب علينا أن نلتزم بالدرجة الأولى على الحفاظ على الأمن والأمان).
السيد يربي المجتمع على النظر لنصف الكأس الممتلئ!
أقول لسماحته: والله يعصمك من الناس.
kowther.ma.arbash@gmail.comkowthermusa@ تويتر