منذ أن اشتعلت الثورات العربية، وهناك رؤيتان لا ثالث لهما، ففريق يرى أن الثورات كانت عفوية، وأن الغرب، والولايات المتحدة تحديدا سايروها، وحاولوا توجيه بوصلتها لما يخدم مصالحهم، وهو ما يفعلونه على الدوام، والرؤية الأخرى تؤكد على أن هذه الثورات تم التخطيط لها بالاتفاق مع تنظيم الإخوان المسلمين، خصوصا في البلاد التي نجحت الثورات في إسقاط أنظمتها، وتحديدا تونس، ومصر، وحتى وقت قريب،كانت الرؤية الأولى هي السائدة، وذات المصداقية العالية لدرجة أن من يتحدث عن الرؤية الثانية، أو يدعمها يعتبر مؤمنا بنظرية المؤامرة، وبالتالي لا يفقه في السياسة!
المشكلة أن كثيرا من المثقفين العرب يعتقدون أن الإيمان بنظرية المؤامرة له وجه واحد وحسب، وهو الإيمان بأن الغرب يعمل ليل نهار على التآمر ضد العالم العربي، والإسلامي، ويغيب عنهم في هذا الصدد أن «المؤامرة» تأخذ أشكالا عدة، فالغرب ربما يرى أن مصلحته تقتضي اتخاذ اجراء ما، وربما يكون هذا الإجراء هو «اصطفاء» حزب سياسي معين، في دولة معينة، ودعمه حتى يكون جاهزا للحلول محل النظام القائم، وربما يتم العمل على هذا المخطط لعدة سنوات، أو حتى عقود، وهذا لا يعني بالتأكيد أن «الغرب» يكيد بالعرب، والمسلمين، بقدر ما يعني أن مصالحه تتطلب دعم مشروع معين، فهل هذا هو ما جرى في الثورات العربية؟!
لا أريد الحديث عن الوثائق التي أكدت تواصل تنظيم الإخوان مع الولايات المتحدة، وحلفائها لمدة خمس سنوات قبل قيام الثورات، ولا عن قائمة مجلة الفورين بولسي الأمريكية لعام 2011 لأكثر الشخصيات تأثيرا، والتي ضمت زعامات التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، ولن أشغلكم بالسياسات التي ينتهجها تنظيم الإخوان منذ توليه السلطة في تونس، ومصر، والتي زايدت على سياسات مبارك وابن علي فيما يتعلق بالعلاقة مع الغرب، واسرائيل، ولكني سأحيلكم إلى مقطع فيديو قصير لرئيس الاستخبارات الأمريكية السابق جيمس وولسي، وهذا الفيديو هو عبارة عن مداخلة للسيد وولسي في إحدى الندوات حول العراق، والحرب على الإرهاب، وكان ذلك في عام 2003، أي قبل الثورات العربية بثماني سنوات!!، نعم ثماني سنوات، فماذا قال عن العالم العربي؟!
لقد قال نصا: «المشكلة ليست فى الإسلام، وإنما فى الطغيان، ولو نجحنا فى إقناع المسلمين المناسبين!، أو الأشخاص المناسبين بأننا نقف فى صفهم، وأننا قادرون على الانتصار، ثم ضغطنا من أجل مساعدتهم على التغيير!، فهذا هو عين ما نريد!»..، ثم ختم بصاعقته التي تختصر كل الحكاية، وهي أن أمريكا سوف تفوز في وقوفها مع الشعوب العربية التي تخشاها الأنظمة الحاكمة!، وهنا نتساءل: من هم «المسلمون المناسبون» الذين تحدث عنهم رئيس المخابرات الأمريكية في عام 2003؟، هل هم حزب العمال في بنجلاديش مثلا؟، فهل اتضحت الصورة أعزائي، أم أننا لا زلنا ضد «المؤامرة» بكل أشكالها؟، ونتهم من يؤمن بها - ولو جزئيا - بالجهل في عوالم السياسة المظلمة؟!
ahmad.alfarraj@hotmail.comتويتر @alfarraj2