في العقدين الأخيرين، حرصت كثير من الدول الناشئة حول العالم على إنشاء مناطق حرة تعمل ضمن أطر قانونية وتنظيمية محددة ومستقلة تستهدف بها خلق بيئة عمل جاذبة للاستثمارات المحلية والأجنبية بعيداً عن الأنظمة البيروقراطية في كل دولة، ولهذا نجد اليوم تسابق كثير من الدول المجاورة للمملكة (أشقاءنا في الإمارات و مصر مثلاً)..
في إنشاء عدد كبير من المناطق الحرة بعضها تجاري وبعضها الآخر مالي وهو ما أكسب هذه الدول مكانة اقتصادية مهمة بين دول العالم في حركة البضائع وحركة رؤوس الأموال على حساب اقتصادات بقية دول المنطقة وخصوصاً تلك الأكبر حجماً والأكثر أهمية.
بالنسبة للمملكة وعلى الرغم من التطور الكبير التي طرأ على البيئة الاستثمارية مؤخراً مع وجود هيئة السوق المالية ووجود الهيئة العامة للاستثمار ثم انضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية، إلا أن البيئة الاستثمارية لا تزال تعاني من بعض المعوقات التنظيمية والقانونية التي تمنع كبريات المؤسسات المالية العالمية من توسيع نشاطاتها داخل المملكة إضافة إلى ما تعانيه المؤسسات المالية المحلية أساساً من معوقات عديدة وتكون النتيجة ضياع فرص استثمارية مهمة على اقتصاد وطننا الغالي بسبب هذه المعوقات التي يتمثل بعضها في ضعف الأنظمة التجارية وبعضها الآخر في بطء حسم القضايا في المحاكم الشرعية واللجان وغيرها من المعوقات التي لا تعد ولا تحصى.
الآن ومع قرب الانتهاء من تشييد مركز الملك عبدالله المالي (ذلك الصرح المالي الشامخ الذي يقع في عاصمة أكبر اقتصاد في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا) أجد فرصة تاريخية لن تتكرر مستقبلاً تتمثل في أن يكون هذا المركز المالي «منطقة حرة» مستقلة بإدارتها العليا وأنظمتها التجارية ومحاكمها الشرعية عن ما هو معمول به في الجهاز الحكومي البيروقراطي وبما لا يتعارض مع الأنظمة المعمول بها في المملكة وضمن الحدود الجغرافية للمركز أسوة بما هو مطبق حالياً في العديد من المناطق الحرة إقليمياً وعالمياً (مركز دبي المالي العالمي على سبيل المثال) والتي نجحت نجاحاً كبيراً في خلق بيئة استثمارية صحية ومشجعة للاستثمار في الخدمات المالية بأعلى المعايير الدولية.
وإذا لم نتبنى هذا الاقتراح، فأعتقد أن هذا الصرح الشامخ الذي كلف مئات المليارات من الريالات سيكون عبارة عن مباني عملاقة ومعلماً جميلاً للمدينة فقط لا غير ولا أبالغ في القول إننا سنكتشف لاحقاً أن هذا المركز المالي العملاق لن يختلف مضمونه في شيء عن أبراج المملكة والفيصلية، والأهم أننا نكون قد أضعنا على أنفسنا فرصة مهمة لإنشاء سوقاً مالية جديدة وبمنتجات مالية متطورة نرتقي من خلالها بمستوى الخدمات المالية إلى مستوى الخدمات المالية في الدول المتقدمة، بينما سيجد أشقاؤنا في الدول المجاورة فرصة ذهبية لتوسيع الفجوة الموجودة حالياً ولمواصلة استهداف رؤوس الأموال الكبيرة داخل المملكة في ظل تفوقهم الواضح حتى الآن.
twitter@mfalomran