هو أكثر سؤال قد يسمعه الطالب الجامعي منذ دخوله الحياة الجامعية وحتى خروجه منها، سؤال يلاحقه في كل مكان في بين الأهل والأصدقاء وفي «العزايم» والمناسبات الاجتماعية.. وما إن يجيب الطالب « بعد سنة أو سنتين» حتى يمطره السائلون بوابل من عبارات الشفقة والمواساة على حمله لهذا اللقب الثقيل والمهلك لقب «طالب جامعي»، ويدعون له بالصبر والعون من الله على تلك الرحلة المأساوية التي يمر بها.
أكاد أجزم أن معظم تلك العبارات تخرج من نية صافية وحسنة، لا تتمنى للطالب إلا الراحة والنجاح، لكن أكثر ما يقلقني هو ما سبب تكون ذلك الانطباع الجمعي البشع عن الحياة الجامعية ومراحلها؟ ما سبب تلك الصورة الذهنية السلبية عن تلك المرحلة التي من المفترض أن تكون ثرية وممتعة وغزيرة بالتجارب والمواقف والذكريات التي قد تكون الأثمن في حياة الإنسان؟
أستطيع أن أقول أحد الأسباب، ومن تجربة شخصية هو البيئة الجامعية في السعودية، والتي تتسم بكثير من الجفاف والممل ويغلب عليها الطابع الدراسي البحت، في ظل شح وتصحر الأنشطة اللاصفية وغياب دور الأندية الطلابية التي تشكل جزءاً لا يستهان به من ثراء ومتعة المرحلة الجامعية - إلا ما ندر - كما أن القمع والترهيب الذي يتعرض له الطالب حينما يعبِّر عن آرائه الخاصة التي قد تبدو للوهلة الأولى في مجتمع لا يحبذ التغيير، متمردة وذات طابع ثوري والتي وقعت ضحيتها شخصياً حينما كنت طالبة «سنة أولى» في جامعة الملك سعود في الرياض.
كل تلك العوامل ساهمت في تشكيل هذا الوعي الجمعي بأن المرحلة الجامعية هي فترة صعبة يجب أن تُجتاز بأسرع وقت ممكن ومهما كانت الأثمان للحصول على الشهادة والسلام.
ولعلِّي هنا أشارككم تجربتي الشخصية، حيث أمضيت سنتين من حياتي في دراسة القانون في الرياض، وكان يلازمني شعور مستمر وقاس وأنا داخل فصول الجامعة بأن هذا المقعد ليس لي وهذا ليس ما خلقت لأدرسه، وأنه توجد طالبة في مكان ما تستحق وتتمنى هذا المقعد أكثر مني، كونها محبة وراغبة بذلك التخصص، فتبعت عقلي وقلبي معاً وقررت أن أشد الرحال إلى دبي لدراسة شغفي الأول وهو الصحافة، وفعلا عشت تجربة جامعية مختلفة بكافة مفرداتها ومعانيها، كنت أشعر وأنا داخل محاضرة طويلة أو حين أتلقى واجبا ً دراسياً بأن هذا ما يستحق أن أتعب من أجله، لأنه ما اخترته أنا لنفسي ولم يختره المجتمع لي فأضحت تجربتي الجامعية مختلفة، لأول مرة لم يعد يعنيني الحصول على ورقة اسمها «شهادة» لأتخلص من الجامعة، بل تمنيتها لتفتح لي أبواب المستقبل والعمل في المجال الذي اخترته لنفسي وولدت ولي معه قصة شغف واشتهاء. فتحت لي دراستي لما أحب أبواب جديدة لم أكن أعرفها ومنحتني القدرة والثقة على اللعب بحرية في ملعبي والتعبير مع أشخاص يشاركونني ذات الشغف عن آراء نتفق عليها وذلك جميل ونختلف فيها وذلك الأجمل.
بيئة الدراسة في دبي أو في أي دولة أجنبية تختلف جملة وتفصيلاً عن البيئة الجامعية في المملكة، كونها تهتم أكثر ببناء المهارات واحتضان الإبداعات وصنع فارق في حياة الطالب، وبإمكان أي طالب مبتعث أن يروي لكم حجم الفرق وسعته.
في الولايات المتحدة مثلاً تجد الطالب الجامعي يعمل على تكوين تجارب تطوعية وإنسانية قبل دخوله الجامعة حتى يساهم ثراء سجله في خدمة المجتمع في تسهيل قبوله، وحينما يقبل في جامعة يحرص على تقديم جهد إضافي في المشاركة في الأنشطة الداخلية والخارجية إلى جانب المحافظة على معدل تراكمي عالي، لأنه يعلم أن ركضه ولهثه خلف الشهادة فقط سوف يمنحه درجة علمية جامعية لا أكثر، وهذا لم يعد كافياً في سوق عمل مستعر المنافسة.
ومن ذلك المنطلق يبدو أنه من الأجدى سؤال الطالب عن ماذا تعلّم في الجامعة؟ وما هي أجمل المواقف التي مرّ بها؟ وما هي أحدث المهارات التي تعلمها؟ وما هو تأثيرها على حياته داخل وخارج الجامعة؟ وأين يرى نفسه بعد 5 سنوات من الآن؟ هذه الأسئلة ستسعد الطالب أكثر من ذلك السؤال الاستهلاكي الممل.. متى التخرج!!.
Twitter:@lubnaalkhamis