لم يكن يدُر في خلدي عندما فاتحني أستاذي المحقق الأريب محمد بن عبدالله آل رشيد بفكرة تأليفه لكتابٍ عن ألقاب الأسر أني سوف أفاجأ بهذا الكم من المعلومات والفوائد التي قد يحارُ لها الباحث ليس لكثرتها فقط وإنما لعزتها وندرتها.
ويأتي هذا الكتاب الذي رأى النور في معرض الكتاب المنصرم بالرياض 1434هـ ليرسُم لنا طريقةً جديدة ونوع بديع من أنواع التأليف، فالمتبادر لذهن القارئ العزيز أنَّ هذا الكتاب قد يُعالج مسألة قد سُبق إليها المؤلف، بينما هو في الحقيقة يكشف الستار عن أمرٍ آخر لا أظنُ أنه قد سُبق إليه من قبل.
الكتاب عنوانه «ألقاب الأسر.. كتابٌ فيه فوائد من الأنساب وشواردُ من أسبابِ الألقاب» ويقع في 763 صفحة وهو من منشورات دار الفتح للدراسات والنشر بالأردن 1434هـ -2013م، ويمتازُ عن سائر المؤلفات في الألقاب أنَّهُ تطرقَ لمسألةٍ مهمة قد أشار إليها بعض أهل العلم في ثنايا تراجمهم إلاَّ أنها لم تُخص بتأليفٍ مستقل، وقد ذكر ذلك المؤلف في مقدمته.
أمَّا سببُ تأليف الكتاب فقد كان بادرةً جميلة وحسنةً فاضلة من حسنات تلاقي أهل العلم وتباحثهم، فقد ذكر المؤلف في ص 6 قصة لقاءه بالمؤرخ الأديب الأستاذ كاظم بن عبود الفتلاوي (1380هـ -1431هـ) والذي كانت تجمعه بشيخنا صداقةً حميمة وتواصلٌ في رحم العلم، فقد أشار الأستاذ الفتلاوي على مؤلف الكتاب أن يكتُب في الألقاب التي عُرف سببها وسرت على العقب، خاصةً أن المؤلف قد تطرق لها في بعض كتبه. فوافق ذلك رغبةً في النفس كانت بارتقاء الهمة عوناً في ولادة هذا المصنف الفريد.
لقد ضمَّ الكتاب بين دفتيه 1135 لقباً، كان الجهدُ الكبير في جمعها واضحُ المعالم، فقد امتازت هذه الألقاب عن غيرها أنها لم تكن كُلها مما سطرته الكتب وهنا يتضح أثر العمل العلمي المتقن، فقد جمع المؤلف ما استطاع جمعه من الألقاب التي توافرت في كتب التراجم والتاريخ وغيرها، إضافةً إلى مكاتباته للكثير من الباحثين، وأرباب الأسر، وقد كان حريصاً على نقل المعلومة من مصدرها الصحيح، والإحالةِ عليها ما استطاع. وقد يكونُ سببُ اللقبِ مما لم يُدون فيسمعه أو يقيده عمن ينتَسِبُ لهذه الأسرة، وهذا النوع على ما فيه من جهدٍ وعناء إلاَّ أنَّ فيه تحقيق ولطافة (انظر في ذلك على سبيل المثال لا الحصر ص111-148-155-194-199-229-251-467). وهذه الألقاب المتنوعة التي وردت في هذا المؤلف قد ألبسها هذا التنوع حلة الأنس للقارئ أثناء قراءته للكتاب، فمن لقبٍ كان سببهُ طريفاً مليحاً، إلى لقبٍ صاحبتهُ قصةٌ وحدث، وآخر يرتبط بمكرمةٍ وفخر. والبعض منها قد يسكن في مخيلة القارئ أنه على ظاهره فيفاجأ بالعكس من ذلك.
حوى الكتاب الكثير من الحواشي العزيزة والتي تضمنت فرائد من النقول والفوائد، وقد عكست لنا شخصية المؤلف الموسوعية، فهي تمتاز بالمصادر الفريدة والنادر والتي سوف أشير إليها عند الكلام عن جريدة المصادر، إضافةً إلى أنها عبارةً عن كشكول من التنبيهات والاستدراكات والملحوظات، وهذه الحواشي لم تخلو من فوائد عزيزة قد عقُمت عن بعضها الكتب، ومن ذلك ما ذكره عند قصة تأليف كتاب «المعسول» للشيخ العلاَّمة محمد المختار السوسي رحمه الله، والتي أخبره بها ابنه الأستاذ عبدالوافي، وقد كان ذلك أثناء زيارة المؤلف له في مدينة الرباط في شوال 1431هـ، وكذلك قصة طباعة مؤرخ حلب ومسندها محمد راغب الطباخ (ت1370هـ) لكتابه «إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء». (حاشية ص142) والتي سمعها من بعض شيوخه الحلبيين.
للكتاب مقدمةٌ ضافية يَحسُنُ أن تكون مؤلفاً مستقلاً بذاته، وما ذاك إلاَّ لما حوته من مباحث أصيلة، وفوائد جمة، وكان لإيرادها على صورةِ فصولٍ مستقلة تسهيلاً على الباحث للوصول إليها، وهذه الفصول قد حوت مسائل لم تفرد بالبحث استقلالاً، مما حدا بالمؤلف لبحثها والنظر فيها، ومن أمثلة ذلك (المدخل إلى معنى اللقب - لا اجتهاد في أسباب الألقاب -الألقاب في الغالب ليست على ظاهرها - عناية أهل العلم بمعرفة أسباب الألقاب والنسب). وهنالك مباحث أخرى وطُرف ومُلح ازدانت بها المقدمة أتركها للقراء الكرام.
لقد جرت عادة بعض المؤلفين أن ينساق به البحث إلى الوصول إلى بعض الأمور المتعلقة ببحثه والتي قد يصعب عليه إغفالها مع خشية إثقال الكتاب بالحواشي والتعليقات، والبعض لا يُلقي لهذا الأسلوب كبيرَ عنايةٍ مع أهميته للباحثين والقراء، وهذا البحث القيم من البحوث التي تفتحُ لأصحابها آفاقاً كثيرة عند كتابتها، لذا ألحق المؤلف في خاتمة الكتاب ثلاث تتمات (من نُسِب إلى كتاب - فيمن جمعَ حديث راوٍ أو أكثر الرواية عنه فلُقَّبَ به - في معنى لقب «شيخ الإسلام») وهي تتمات مهمة جعل خاتمتها مقالاً نُشر على حلقتين في مجلة الرسالة في عدديها (270-271) عن فلسفة الأسماء للأستاذ السَّيد شحاتة.
في خاتمة هذا العرض المختصر لهذا الكتاب القيم، لا يسعني إغفال جريدة المصادر التي حوت في طياتها مجموعة كبيرة من المصادر العزيزة، منوعةً بين طبعاتٍ نادرة، وموسوعات منوعة، ومجلات متفرقة، وكتبُ أنسابٍ وأسر، والتي تبين عن حرص المؤلف وتفانيه في جمع المعلومة والبحث عنها، وهي في حقيقتها مسرداً يستفيدُ منه طالب العلم في تنمية مكتبته التاريخية، ويبقى ما نقله في مقدمة الكتاب عن شيخ شيوخه العلاَّمة المحدِّث السيد محمد يوسف البنوري (ت1397هـ) والذي قال: «الاستقصاء شؤم». أهدي تحياتي وإجلالي لهذا العمل الجليل ولشيخنا وأستاذنا البحاثة المدقق محمد بن عبدالله آل رشيد. وقد حُقّ أن يقال عن هذا المؤلف أنه «نوعٌ من التأليف بديع».
كتبه / محمد بن عبدالله المباركي - الرياض - almubarki@hotmail.com