منظومات القيم الجميلة هي التي تحكم المسار التقدمي للمجتمع، وتمنحه القدرة الكبيرة على خلق واقع أفضل يمهّد لمستقبل لائق، ومن غير قيم التقدم وحضورها والاستناد إليها، لا يمكن أن يخطو المجتمع خطوة واحدة إلى الأمام، لهذا بدأت المجتمعات المتطورة سعيها نحو التطور
بالحفاظ على هذه القيم وتنميتها وتكريسها في أنشطة المجتمع بالمجالات كافة، فضمنت انتقالات نوعية نحو التقدم، وأمستْ تعيش حياة أكثر رفاهية واستقراراً من سواها، عكس المجتمع الخامل الكسول الذي تغيب فيه قيم التقدم، فيصبح فراغ غيابها مساحة سهلة ومتاحة لقيم التخلف والانحراف، حيث تنمو سلوكيات وأفكار منحرفة، تدمّر كل مقومات التطور والاستقرار للمجتمع، إن الخطر الذي يخلفه ضعف أو تراجع قيم التقدم، لا ينحصر فقط بالثبات على واقع الحال الذي يعيشه المجتمع المتخلف، بل سوف تتسيد مكونات المجتمع انحرافات كبيرة وغريبة، تمهد للانحلال والتفسخ وانتشار اللهو المعطِّل للطاقات البشرية كافة، مع ترويج أدوات ووسائل ومواد الخمول والكسل كالمخدرات وسواها، من بين قيم الفساد التي تحتل مساحة قيم التقدم - التملق - وهي صفة تلتصق بضعاف النفوس والإرادات أيضا، أولئك الذين يسلكون أقصر الطرق إلى أهدافهم التي تنحصر بالمادة والمنفعة اللامشروعة، ولا أعني بالتملق هنا حسن الذوق والكلام والكياسة في السلوك والمجاملات الصادقة، لكنني أعني التملق الكاذب الذي ينتمي إلى حالة التملق المرضي، وتحوّل الإنسان من كونه ذاتاً عاقلة متوازنة محترمة، إلى شخصية زائفة منفعية تلهث وراء منافعها المادية بأسلوب لا ينتمي للصدق، وليس له علاقة بصدق الأواصر والقيم الإنسانية التي تربط بين أفراد أو جماعات المجتمع الواحد.
إن المتملقين يحاولون كسب كل شيء على حساب درجة الإتقان والإنتاج، أو لمحاصرة الكفاءات وطردها خارج حيز الفعل والإنتاج بسبب مواهبها وقدراتها وتفوقها على المتملقين، الذين يكونون في الغالب بلا موهبة، ولا إبداع في التفكير أو العمل، والمشكلة الأكبر والأشد خطرا، حين يكون المسؤول ضعيفا أمام صفة أو ظاهرة التملق، فيقبل بها ويشجع أصحابها على التمادي والاستمرار بهذا الأسلوب الأخلاقي العملي المنحرف، رغبة منه في إشباع ذاته المريضة أيضا، فالمسؤول الذي يتقبل التملق ويشجعه، ويرضى على حامليه، فهو في حقيقة الأمر مريض أيضا مثل المتملق، لهذا سيُبتلى المجتمع بالمريض المتملق، والمريض المسؤول، وكلاهما يشكلان عبئاً كبيراً على مكونات المجتمع كافة، بل يشكلان حجر عثرة في طريق التقدم إلى الأمام، وبدلا من التقدم نحو العلو والتمدد والاستطالة، سنرى التراجع والتلكؤ يعتري الناس والأشياء، ويجعلها قاصرة وعاجزة عن أداء وظائفها المطلوبة لخدمة المجتمع، وهكذا سيشكل حضور الظواهر السيئة، وغياب قيم التقدم، شرخاً كبيراً في بناء الوعي المجتمعي.
إن الأخطر في هذا المجال تحوّل الظواهر المنحرفة مثل (التملق)، (الاختلاس)، (الرشوة)، (الكذب)، (التزييف)، (التزوير)، (المدح الكاذب)، (الإشاعة)، وما شابه، إلى حالات متداوَلة ومقبولة، لا يعترض عليها المجتمع، بل يحسبها بعضهم نوعا من (الشطارة) لضمان الحاضر والمستقبل، في ظل تراجع خطير لقيم التقدم، بل للقيم الإنسانية جمعاء، لذا مطلوب في هذه المرحلة الحساسة تعزيز قيم التقدم، ومحاربة قيم الانحراف بكل الوسائل المتاحة، على أن لا ينحصر هذا الجهد الأخلاقي القيَمي الكبير في المسعى الحكومي والقضائي فقط، بل ينبغي أن يشترك الجميع دون استثناء، حتى العائلة والمدرسة والدائرة والدين والثقافة والفكر، يشترك الجميع في تقديم ما يكفي من الجهود، لإعادة قيم التقدم إلى الصدارة في قيادة المجتمع، لكي ننمو بكل شفافية وبياض ومثل عليا، بعيدا عن ازدواجية المعايير وازدواجية القيم وازدواجية العمل والمعاملة.
ramadanalanezi@hotmail.comramadanjready @