كان في الماضي أكثر ما يشغل مجالس الناس وأغلب ما يتجاذبون فيه أطراف الحديث هو الكلام عن عالم الجن، والمنازل المسكونة، والأرواح الشريرة، أو يتحدثون عن الزواج وغلاء المهور والطلاق، وارتفاع أسعار العقارات.. إلخ. لكن اليوم لا يكاد يخلو مجلس من المجالس عن الخوض في الأستاذ «ساهر». بعضهم يحاول على استحياء أن يتلمس له العذر، والغالبية العظمى والسواد الأكبر يكيل له السباب والشتائم، ويتهمونه بأنواع من التهم، بل لا يسلم منهم حتى من كان سبباً في استقدام الأستاذ «ساهر» ومن عاونه ودافع عنه. ومن المؤسف جداً أن ترى بعض الفضلاء من أهل العلم سلك مسلك هذا التيار، وانجرف معهم. إن المتأمل في حال الأستاذ «ساهر» مع الناس يتذكر حديث المصطفى - صلى الله عليه وسلم - حين ضرب مثلاً فقال: «مثلي ومثلكم كمثل رجل استوقد ناراً، فلما أضاءت ما حولها جعل الفراش وهذه الدواب التي يقعن في النار يقعن فيها، وجعل يحجزهن ويغلبنه، فيقتحمن فيها، فذلك مثلي ومثلكم، أنا آخذ بحجزكم عن النار: هلم عن النار، هلم عن النار، فتغلبوني، فتقتحمون فيها» رواه مسلم. حسب الإحصائيات الرسمية التي نُشرت بعد نظام «ساهر» نجد أن الحوادث المرورية والوفيات قد انخفضت بنسبة خمسين في المائة!!
فكم من أرواح معصومة قد حُقنت بسبب «ساهر»؟!! وكم من أنفس بريئة قد حُفظت بسببه؟!! وكم من ممتلكات قد سلمت بسببه؟!! وكم من سارق مجرم هارب تم القبض عليه بسببه؟!! وكم من رجل أمن قد خُفّف عنه العبء بسببه؟!!
إن الناظر إلى الأستاذ «ساهر» بعين البصيرة والإنصاف ليرى جلياً أنه صديق وفيٌّ، وليس بعدوٍ لدود، وله من اسمه نصيب؛ حيث يسهر لراحتنا ونحن نائمون، ويحافظ على عائلاتنا ونحن غائبون. والأعجب من هذا كله أن كثيراً من العوام أصبحوا يفتون بكل جرأة وسهولة بتحريم فرض مبالغ الغرامات والجزاءات على المخالفين للأنظمة!! رغم فتاوى أهل العلم قاطبة بجواز قيام ولي الأمر بفرض أي غرامة مالية يراها مناسبة على المسلمين للردع والتعزير، بل ذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك حيث قالوا: إن نظام «ساهر» إنما وُجد من أجل جمع الأموال من غير وجه حق، وهي تصرف للشركات المشغلة لنظام «ساهر»!! وهذا لا يقوله عاقل، وهو مردود عليه من أوجه:-
- الوجه الأول: إن الدولة - أعزها الله بالتوحيد والسنة - ليست بحاجة لهذه المبالغ الضئيلة؛ فقد حباها الله تعالى بثروات عظيمة تغنيها عن هذه الحفنة.
- الوجه الثاني: أن الناس إذا انضبطوا على قوانين المرور فلا تكون هناك مخالفات توجب غرامات مالية، وعليه فإن الشركات ستخسر وتغلق أبوابها.
- الوجه الثالث: لم نسمع بشخص أُرغِم على دفع المخالفات وهو بريء؛ لأن المخالفات كلها مصورة، ويمكن للشخص أن يرى بنفسه لدى المرور مخالفته إذا رغب في ذلك، ويمكنه أن يعترض عليها إذا كانت بغير حق؛ فكيف يصدق أن النظام وجد من أجل جني أموال الناس بالباطل؟!
وكما قيل: يداك أوكتا وفوك نفخ.
وهناك ممارسات خاطئة يقوم بها بعضهم في التعامل مع ساهر، منها:
1) إخفاء لوحة السيارة ومن ثَمَّ ارتكاب المخالفات جهاراً نهاراً، وهذا محرَّم، ولا يجوز؛ لأنه تهاون بأرواح الناس.
2) تشغيل الإشارات الضوئية لتنبيه الآخرين عند رؤية كاميرات «ساهر»، وهذا لا يجوز؛ لأنه من التعاون على الإثم والعدوان، ومعاونة المخالفين للنظام.
3) الوقوف أمام الكاميرات بالسيارة وتنبيه الآخرين بوجود «ساهر».
4) وضع طلاء على زجاجها بقصد التشويش على المراقبة، وهذا محرم أيضاً؛ لأن هذا إتلاف للمال العام بغير وجه حق.
5) تعمد الاصطدام بمركبات «ساهر» بقصد إتلافها، أو إحراقها، أو كسرها، وكل ذلك محرم لما سبق.
أيها الإخوة الكرام..
وإني أنصح إخواني السائقين بنصيحتين مهمتين؛ لعل الله أن ينفعهم بهما، ولتكون القيادة آمنة سالمة مريحة بإذن الله تعالى:
الأولى: ينشغل كثيرون من السائقين أثناء القيادة بالبحث عن أماكن وجود «ساهر»، وتخفيف السرعة عندها، أو الاستعانة بالأجهزة الذكية لمعرفة أماكنه، فأنصح بدلاً من هذا بالانشغال بمراقبة «الطبلون»، والتأكد من عدم تجاوز السيارة السرعة المحددة نظامياً، وبذلك تكون مركزاً على الطريق وتسلم - إن شاء الله - من الحوادث، وتكون مرتاح البال خلال القيادة.
الثانية: أن تحاول تغيير كابوس «ساهر» من نقمة إلى نعمة!
وذلك بأن تنوي بالالتزام بقوانين المرور طاعة لولي الأمر، وبهذا تؤجر عند الله وأنت تسير بسيارتك في الشوارع، وتؤجر عند الله وأنت تدفع مبالغ الغرامة طيبة بها نفسك، مخلصاً بها لله - عز وجل -.
لأن تذهب حفنة من المال خيرٌ من أن تذهب أنفس بريئة.
وفَّق الله الجميع لما يحبه ويرضاه، وسدد الخطى.. إنه سميع مجيب.. والسلام عليكم.
alqaraani@gmail.com