أشرت في المقال الأول إلى أن مدن السعودية تقوم على أودية، وهي بذلك تتبع الاستيطان القديم، إذ إن المرتكز الأساسي للاستيطان القديم ينشأ على مصادر المياه السطحية, وتعد الأودية أحد مصادر المياه نظراً لقرب المياه الجوفية ولكونها خازنة ووفيرة بمياه الأمطار.
أشهر المدن السعودية قائمة على الأودية وتتعرض في موسم الأمطار الموسمية إلى فيضانات: جدة، الخرج، الطائف، المدينة المنورة، تبوك، وادي الدواسر، حفر الباطن، حائل، جازان، نجران، بيشة، رنية, الزلفي، ومدن سدير، أي أن معظم مدن المملكة تقع على أودية كبيرة، وهذا العام شهدنا الخرج يغرق وتبوك ووادي الدواسر والطائف وبيشة، لذا لابد أن يعاد النظر في فهم واستيعاب الأودية باعتبارها (كائناً حياً) لتكون عنصراً هاماً في التخطيط, فوادي الدواسر والخرج والقريات وحفر الباطن على سبيل المثال بنيت مدنها وسط الأودية، لو قدر أن زادت كمية الأمطار ستغرق تلك المدن, ومثلها شمال جدة وتبوك وحائل وبيش والمدينة المنورة، وسوف تتكرر الحوادث إذا لم يعد النظر في إيجاد حل للمجاري المائية الكبيرة, أما بتحسين أوضاع الأودية الحالية والمحافظة على مسارها، أو إيجاد روافد للأودية حتى لو أدى ذلك إلى نزع الملكيات وإعادة تخطيط محيط المجاري المائية.
مدن المملكة تقع متناثرة على ظواهر طبيعية وهي:
أولاً: الجبال، وهي شريط ممتد من الحدود الأردنية في الشمال الغربي وحتى الحدود اليمنية في الجنوب الغربي عبر جبال شاهقة هي شريط جبال السروات من جازان وحتى الطائف, وجبال الحجاز من الطائف وحتى جنوب الوجه، وجبال مدين من جنوب الوجه دائرة 28 شمالاً حتى حدود المملكة مع الأردن قرب ساحلي البحر الأحمر وخليج العقبة، تنحدر منها الأودية بانحدارات شديدة باتجاه البحر الأحمر، وتتدرج بالانحدار شرقاً باتجاه المناطق الداخلية (الوسطى).
ثانياً: الهضاب، وهي الهضاب الغربية: هضبتا نجران وعسير وهضبة الحجاز وهضبة حسمى ثم الهضاب الوسطى (نجد)، ثم الهضاب الشرقية، وهي الصمان والحجرة والحماد والوديان، وهذه مرتفعات تصل إلى 1700 متر كما هي مرتفعات حسمي, ونجران وعسير، 1200 متر كما في الحجاز، و(1000) متر كما في هضبة نجد تتخللها الجبال والحافات والأودية الكبيرة.
المدن سعودية عادة ما تكون على تلك الأودية الأخدودية أو (المنفرشة) المستعرضة والعريضة لنقل كمية هائلة من المياه مما يؤدي إلى فيضانات، وقد تتعرض أحدى مدننا -لا سمح الله- للغمر الكامل وجرفها عبر السيول.