|
الرياض - عبد المجيد إدريس:
بوجه طفولي شاحب وقامة نحيلة، يتحرك (مبارك) بسنواته الغضة إلى جانبك دافعا عربة محملة بالخضراوات لينقلها من البسطة إلى السيارة. عمل اعتاده الصبي الذي يتحدث بلغة تفوق عمره بكثير، وهو يتمنى مقابل ذلك أن تنفحه مبلغا أكبر من الريال أو الريالين اللذين تكون قد هيأت نفسك لدفعهما له. تلك هي السمة التي تلاحظها لدى معظم الأطفال السعوديين العاملين داخل أحد أسواق الخضار في شمال الرياض، في منظر يتكرر في الأسواق الأخرى كافة.
أولئك الأطفال ليسوا رقما تعداديا هامشيا، فهم مجموعة كبيرة من صغار السن واليافعين الذين وجدوا أنفسهم في مرمى المدفع المعيشي، فانساقوا صاغرين لسطوة الواقع المر، هاجرين طفولتهم بلهوها وبراءتها.. إلى حياة لا تعترف إلا بالأظافر الخشنة القادرة على نحت البقاء!.
صورة حية
حسن وسلمان أعمارهما على التوالي 10 سنوات و 11 سنة.. يعملان في عربات مستأجرة تقوم بنقل مشتريات الزبائن من أماكن الخضرة إلى سياراتهم. يدرسان ولا يأتيان لسوق الخضرة إلا في العطلة الأسبوعية، ويعملان من السادسة صباحا حتى العصر.
سلمان بدا أكثر (شطارة) فهو يكسب مابين 50 الى 60 ريالا: «أوزع ما أحصله على أبويّ وصاحب العربة ونفسي.. أنا أصغر إخواني، وأخي الكبير يعمل في نفس السوق كبائع للتمر».
أما حسن الذي يتحدث بشيء من الكسل، فيبدو أن هزيمة الطفولة في نفسه تحيله لكائن فاقد للبوصلة. فهو يكسب كما أوضح، أقل من رفيقه الشاطر (سلمان)، وحصيلته اليومية في حدود العشرين ريالا، ومع ذلك فقد أثار دهشتي وأنا أراه يرفض بتعفف، مبلغا من المال عرضه عليه أحد المتسوقين: «أبي كبير في السن، ولذلك أحاول أن أكسب من عملي ما أستطيع، يساعدني في ذلك شقيقي الذي يكبرني بعام، وهو يعمل معي في السوق أيضا» يقول حسن.
دوام كامل
حالة أخرى يعكسها محمد ـ 15 سنة، فيبدو أنه الأكثر صبرا على العمل في السوق لأطول فترة ممكنة : «أداوم باكرا، وأستمر في العمل حتى ساعة متأخرة من المساء، لكنني أرتاح ساعتين عند الظهيرة، وعندما أعود ليلا أستسلم بشكل فوري للنوم».
لكن مبارك بسنوات عمره الـ16، فقد كان الأكثر قدرة على التعبير عن دواخله : «لست سعيدا لكن هذا هو قدري.. أتمنى حياة أفضل لي ولأهلي. ويحز في نفسي كثيرا الإحساس بالحرمان، في حين أرى أقراني يركبون سيارات ويعيشون مرتاحين ويسافرون في الصيف».
آثار حالية ومستقبلية
حملنا ملف الطفولة العاملة إلى عضو الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان الدكتورة سهيلة زين العابدين، فأشارت إلى أن مثل هؤلاء الأطفال معرضون لنمو المشاعر الحاقدة في دواخلهم، والإحساس بالنقمة على المجتمع عندما يكبرون: «المشاعر السلبية ستسكنهم لأنهم فقدوا طفولتهم، وهي أهم مرحلة في حياتهم، وكذلك فقدوا فرصة التعليم المناسب، خصوصا أن مصادر الرزق في المجتمعات المتحضرة تعتمد على التدريب والمهارة».
ويشير الأستاذ المشارك في علم النفس التربوي والنمو بجامعة الملك سعود الدكتور محمد القضاة إلى أن من الآثار المترتبة على عمل الأطفال تأثر نموهم وصحتهم النفسية : «مرحلة الطفولة يتم فيها تكوين القدرات والاستعدادات الجسمية والنفسية والعقلية للأطفال، وتزويدهم بالقيم والاتجاهات الاجتماعية والأساليب السلوكية، وكذلك إكسابهم المهارات العلمية والتي يستطيعون من خلالها مواكبة التقدم والتكيف مع البيئة. وهذه الأشياء حتى تتشكل يتوجب أن يكون الطفل غير منهك نفسيا وجسديا وهذا مالا يتحقق عندما يكون الطفل عاملا».
حماية على الورق
تحظر اتفاقية حقوق الطفل استخدام الطفل قبل بلوغه السن الأدنى الملائم (وهو ما حدد بعمر 18 سنة) كما تحظر في جميع الأحوال حمله على العمل أو تركه يعمل في أية مهنة أو صنعة تؤذي صحته أو تعليمه أو تعرقل نموه الجسمي أو العقلي أو الخلقي.
ويقول أحد القانونيين بأنه وفقا لنظام العمل والعمال الصادر برقم 2299 تاريخ 19/9/1389هـ ينص القانون على عدم جواز تشغيل الأطفال الذين لم يبلغوا الثالثة عشرة. كما نصّ بشكل عام على عدم جواز تشغيل الأطفال فوق سن الثالثة عشرة في الأعمال الخطرة أو الصناعات الضارة. كما نص على عدم جواز تشغيل هؤلاء الأطفال أثناء فترة الليل وبأنه لا يجوز إطلاقًا تشغيل الأطفال لفترة تزيد على ست ساعات يوميًا.
لكن بالرغم من ذلك يظهر أنه لا وجود لتطبيق مثل تلك التشريعات على أرض الواقع، فمحمد صاحب احد محلات بيع الخضار في الرياض يقر بأن الأطفال يعملون معه منذ ثلاث سنوات ولم يصادف يوما أن جاءه مراقبون في هذا المجال.
مسئولية من؟
يشير الدكتور أبو بكر باقادر وكيل وزارة الإعلام وأستاذ علم الاجتماع السابق وأحد الأعضاء المؤسسين لجمعية حقوق الإنسان في المملكة بأن الدولة وقعت على اتفاقيات حقوق الطفل: « يتوجب على وزارة الشؤون الاجتماعية متابعة هؤلاء الأطفال. لأن مشكلة دخول الطفل في هذه الدائرة تعني بالضرورة عدم خروجه منها». أما الدكتور سعود كاتب أحد النشطاء الحقوقيين والمهتمين بموضوع عمالة الأطفال فيرى أن المسئولية مشتركة بدرجة متساوية ما بين الأسرة، الشؤون الاجتماعية، وزارة العمل، حقوق الإنسان، وزارة التربية والشرطة. مضيفا : «للأسف عندنا قوانين وتشريعات تجرم عمل الأطفال لكنها لا تنفذ».