الندوة في معناها اللغوي: الجماعة، النادي، المجلس، وفي الصحاح: المنتدى، وفي اللسان: المنتدى، وتطلق الندوة أيضاً على الموضع الذي تشرب فيه الإبل، وعلى مجتمع النواب (البرلمان) أو مجتمع الناس الثقافي (الندوة الأدبية)..
.. وقد سميت دار الندوة، الدار التي بناها قصي جد المصطفى عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم في مكة لأنهم كانوا يندون فيها، أي يجتمعون للمشاورة، قال تعالى: {فَلْيَدْعُ نَادِيَه}، أي عشيرته (أهل الدار)، أي سكان مكة المكرمة.
والندوة (الجريدة) ارتبطت باسم مؤسسيهما صالح وأحمد جمال -طيب الله ثراهما- وهما علمان معروفان لدى القاصي والداني كاتبان لامعان في جريدة الندوة، وتركا مؤلفات لا تزال مراجع مصادر أساسية لكل طالب علم.
والمدهش حقاً أن من يطالب بتغيير مسماها لم ينظر نظرة ثاقبة إلى معناه اللغوي -أكرر اللغوي- وإنما اقتصرت على الجانب التاريخي الذي حدث في العصر الجاهلي الذي ذهب مع ذهاب الحدث وبقي معناها اللغوي بالإضافة إلى أن هناك فرقا بين (دار الندوة)، والندوة جريدة مميزة لها طابع خاص يعود بالطبع إلى خصوصية المكان الذي تصدر منه ولا أعرف كيف فات على من اقترحوا بتغيير اسم جريدة (الندوة) إلى جريدة مكة.
هذا المعنى كما أنهم تناسوا -هداهم الله- أن جريدة (الندوة) جريدة عريقة في تاريخ الصحافة السعودية قديماً وحديثاً، وأن مؤسسيها من أبناء مكة المكرمة علمان بارزان لم يدر بخلدهما إطلاقاً غير المعنى اللغوي (أهل مكة المكرمة)، فكيف يطالبون هؤلاء برحيلها، وفقاً للرأي الذي لا يستند إلى دليل أو برهان يقيمون عليها حجتهم! خاصة أن مسماها الندوة وليس بدار الندوة.
وكان عليهم أن يبادروا إلى تأسيس جريدة باسم (مكة) كجريدة ثانية منافسة بدلاً من الإصرار إلى تغيير مسماها، تصدر من مكة المكرمة، فمكة المكرمة بحاجة إلى أكثر من جريدة تعنى بشؤونها وشجونها تماشياً مع التطور الذي شمل كل أرجائها، وفي كل الجوانب شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً، وكذلك في كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعمرانية أو صدور مجلة يطلق عليها (مجلة مكة) تصدر إلى جانب جريدة الندوة التي أصبحت يتابعها عشاقها وفرسان الكلمة من أهلها -وأنا واحد منهم- أشعر دائماً بشيء ينقصني إذا لم أطلع عليها أو إذا أطلت في عدم الكتابة فيها، فقد أشرت في مقالي المنشور بعنوان (عزيزتي الندوة) عندما غبت عنها فترة طويلة بسبب ارتباطاتي بالعمل في الخارج وفي مهمات رسمية وعدم تواجدي بشكل دائم في الوطن في مستهلها: (أعود إلى عزيزتي الندوة بعد أن تلقيت العديد من الاتصالات والاستفسارات والتساؤلات من بعض الزملاء الأعزاء والأصدقاء والقراء عن أسباب توقفي كلياً عن الكتابة فيها حتى طالبني البعض ممن يتابع قراءة الندوة بشكل دائم ومستمر ألا أنتظر مكافأة أو دعوة إلى استئناف الكتابة فيها، وإنما أستمر بالكتابة بين الحين والآخر حين أجد متسعاً من الوقت، والاستقرار في مكان عملي الدائم.
وختمت مقالتي: أشعر بشيء من الراحة والارتياح حينما أبادر -لا شعورياً- إلى المشاركة في عزيزتي الندوة (جريدة الندوة) بما يجود به خاطري حيناً بعد حين من آراء وأفكار وتعليقات بأنني أديت بعض الدين الذي علي إلى هذه البقاع الطاهرة التي شهدت مرتع صباي، وريعان شبابي، ومراحل تعليمي الأول بالمسجد الحرام ثم في ربوع مدارسها الابتدائي والإعدادي (المتوسط) والثانوي وأكملت تعليمي الجامعي والعالي في خارجها، فكيف أنساها أو أتناساها.
وأشهد بأنني منذ أن كنت شاباً يافعاً أتابع عن كثب صدور جريدة الندوة حتى كنت -ولا أزال- أعتز أيما اعتزاز بأنني من أحد كتّابها الملتزمين بالكتابة فيها، ومازلت أتذكر كلمات رئيس تحريرها الأسبق الأستاذ القدير حامد مطاوع الذي كان في أي مناسبة يراني فيها يطالبني بألا أتوقف عن الكتابة فيها وأن هذه الصحيفة هي الوحيدة التي تصدر في مكة المكرمة.
وأذكر أنه رأى عمي الأديب أحمد عبدالغفور عطار في إحدى المناسبات -لا تحضرني الآن- بالصدفة كنت قريباً منه، فقال يرحمه الله: أشكو إليك (الابن طلال) يا شيخ أحمد - فقد اختار عكاظ على الندوة في نشر مقالاته!
فرد العم أحمد على الفور: عكاظ جريدتي وأنا مرتاح لاختياره في نشر مقالاتي السياسية والاقتصادية والثقافية والأدبية، ولكن واجب عليه أيضاً أن يزودك يا أستاذ حامد بما لديه من مقالات، فجريدتك الجريدة الوحيدة التي تصدر من مكة المكرمة -حرسها الله- لم أجد ما أضيف على قوليهما سوى سأفعل -إن شاء الله- في القريب.
التزمت فترة من الكتابة المتقطعة فيها بسبب انشغالي بالعمل في السلك الدبلوماسي وتركيزي -آنذاك- بإصدار كتب متخصصة تتعلق بهذا الوطن الغالي لافتقار المكتبة السعودية إلى مثل هذه الإصدارات إبان دراستي الجامعية والعليا، فقد صدر لي في تلك الفترة أكثر من عشرة إصدارات.
فهل يعاد النظر سريعاً بإعادة صدورها مرة أخرى جنبا إلى جنب مع جريدة مكة أو على هيئة مجلة أسبوعية تعنى بشؤون مكة وشجونها لاسيما أن المبلغ المخصص الذي أعلن في وسائل الإعلام المختلفة اقتصر على تطويرها لا حجبها عن الصدور فجائياً، واختفاءها عن الأسواق بطريقة لا تتفق إطلاقاً مع الشفافية التي يعيشها هذا الكيان الكبير في عهد مليكنا المفدى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز.