الحركة التعليمية مثلها مثل كل شيء في المملكة يأخذ وقتاً طويلاً حتى يتم استيعاب متطلباته، وهذا ينطبق على التعليم العام والعالي ولنأخذ مثالاً على ذلك إدخال اللغة الإنجليزية للمدارس الحكومية والتي قصد منها تسليح أبنائنا بما سيطالبهم به العمل من مهارات عند التحاقهم به سواء في قطاعات حكومية أو خاصة وقد استغرق الأمر سنوات طويلة من الأخذ والرد والتناحر حتى دخلنا وباستحياء على هذا الموضوع وبشكل مرتبك لا يتوافق مع الأهداف
التي وضع برنامج اللغة من أجلها وهي إجادة اللغة الإنجليزية تحدثاً وكتابة.
يأتي مع اللغة الإنجليزية جدل آخر وهو قبول مدارس التعليم العالمية التي سمح لها في السنوات الخيرة بالعمل في المملكة كما سمح لها أن تستقطب طلاب سعوديين دون الحاجة إلى أخذ أذونات خاصة لهم من الوزارة وهو ما وسع مساحة عمل هذه المدارس التي تتبني مناهج وخطط وبرامج عالمية وخاصة في المرحلة الثانوية وذلك بغرض تهيئة الطلاب للقبول في الجامعات العالمية التي لم تخطر بعد ببال تعليمنا الثانوي الحكومي الذي ما زال نائما في العسل ولا يعرف ما هي المتطلبات الأساسية للقبول في الجامعات المعتبرة عالميا ولهذا لا يجب أن نلوم الناس على سعيهم لإلحاق أبنائهم بهذه المدارس بغية توفير فرصة أفضل لهم في التعليم الجامعي مقارنة بخريجي المدارس السعودية الذين يمضون سنوات وسنوات عند ابتعاثهم لإنهاء متطلبات اللغة ويتم قبولهم في العادة في جامعات متواضعة ويتم التعامل معهم كطلاب عالميين وليس كطلاب لديهم نفس مؤهلات الطلاب من دول أخرى؟ إذن نحن أمام تعليم حكومي يضطر بعضنا لخيار المدارس العالمية لكن هل يمكن مناقشة بعض جوانبه وهل يمكن قبوله على إطلاقه؟
فكرة المدارس العالمية هي افتتاح مدارس في مجال التعليم العام من قبل بعض الجاليات العاملة في المملكة شرقية وغربية تطبق فيها مناهجها أو ما تراه سائداً في أقطارها دون أن تكون ملزمة ببرامج وزارة التربية والتعليم خدمة لأبناء جالياتها ولتقديم تنوع ضروري في النظام التعليمي السعودي. ساعد على نمو الفكرة دخول الكثير من رجال الأعمال السعوديين كمستثمرين والذين سمحت لهم الوزارة بتبني الكثير من برامج الأعداد وخاصة في المرحلة المتوسطة والثانوية مثل برامج الدبلوما العالمية؟ هنا بدأ الجدل؟ فإلى أي حد يمكن قبول هذه البرامج؟ وما التأثير على البيئة السعودية وعلى الأطفال الداخلين في هذا البرامج وكيف سيتحقق ربط السعودي الداخل لهذه المدارس بوطنه ولغته وكذلك المقيمون من غير السعوديون.. كيف يمكن ربطهم بثقافة البلد وعقديته ولغته وهم لا يعرفون شيئا عنها؟ (انظر مثلاً رسالة الدكتوراه لنهلة الحماد في هذا المجال. كلية التربية جامعة الملك سعود، 2011).
أنا شخصيا أؤمن أن من حق الوالدين العثور على خيارات تعليمية متعددة تتاح في بيئتهم المحلية دون تدخل الدولة. الوالدين هم من يجب أن يختار أين يدرس أبناؤهم وماذا يدرسون تبعا للتهيئة الذهنية العلمية والخلفية الثقافية لكل أسرة لكن كما أري يجب ملاحظة شرطيين:
- أولهما أساسية اللغة العربية في أي برنامج يطرح في أي أي مدرسة داخل المملكة أو أي بلد عربي ومسلم. في الولايات المتحدة بطولها وعرضها وبرغم إعطاء الحكومة الحق لكل الأقليات العرقية والمذهبية أن تفتح ما تشاء من مدارس تظل اللغة الإنجليزية أساسية للعلم في كل هذه المدارس وتشترط كلغة تعلم أساسية. نعم.. نحن لا نستطيع فعل ذلك فلغة العلم والآداب للحضارة الحالية في عصرنا هي اللغة الإنجليزية ولكن الطلاب هنا في بلد عربي ومسلم وهم محتاجون إلى تعلم لغة أخرى وفهم ثقافة البلد الذي يعيشون فيه على الأقل خلال سنوات عمل والديهم خاصة أن معظمهم على أية حال من المسلمين فماذا لا نشجع ونساهم عبر برامج المسئولية الاجتماعية التي قد تتبناها البنوك والشركات في دعم تعليم اللغة العربية في هذه المدارس العالمية والأجنبية التي قد تحتج بنقص الموارد وذلك من خلال جعل اللغة العربية أحد خيارات طلابها اللغوية، ومن ثم يمكن أن يساهم الدعم الأهلي والخاص أو كراسي تدريس اللغة العربية في هذه المدارس في تعريف الآلاف من الطلبة بثقافة بلادنا عبر لغتها.
الثاني: فهم الحقيقة الأساسية أن ليس كل المدارس العالمية جيدة بل يعاني معظمها من الضعف الكبير سواء في البيئات المدرسية والمعلمين والبرامج. هذه المدارس العالمية تبهر الأهالي بقليل من اللغة الإنجليزية لكنهم لا يستطيعون فعلا الحكم على المستويات العلمية المقدمة داخلها ومن ثم ظهرت الحاجة إلى ضرورة وجود حد أدنى من المستويات التعليمية التي تقرها الوزارة كمستوى تعليمي وخدمي مطلوب في كل من يقدم خدمات تعليمية ونعني أنه أيا كانت هذه المدارس سعودية أو غير سعودية، ربحية (كما هي المدارس المملوكة من قبل رجال الأعمال السعوديين الذين اتجهوا لها أخيرا باعتبارها منجم ذهب من خلال الاستفادة من دعم الدولة في هذا المجال) أو غير ربحية كما في مدارس الكثير من الجاليات المقيمة في المملكة السؤال هو: كيف نضبط المستوى العلمي المقدم في هذه المدارس؟
في هذا الأمر على وجه التجديد يجب على الوزارة ألا تحشر أنفها ولتبق مؤسسة معنية بالسياسات العامة والتنفيذية أما الأمور الأكثر تخصصية كمستويات الاعتماد فيجب أن توكل لمؤسسات متخصصة. ماذا يعني ذلك؟ إذا أردت أن أتأكد مما يجري في المدرسة من تحقق تعليم (جيد) بحسب المعايير العالمية فيجب أن أستدعي المؤسسات التي تقوم بهذا العمل وهي مؤسسات اعتماد أكاديمية قائمة في مجال التعليم العام حول العالم.
نحن اليوم على دراية بشكل ما بعمليات الاعتماد في مجال التعليم العالي بسبب ما صاحبها من جدل وحرب خلال السنوات الأخيرة لكننا لم نعتد بعد على كيفية إخضاع مؤسسات التعليم العام من ثانويات ومتوسطات لمعايير الاعتماد الأكاديمي العالمية. هذا ليس عمل وزارة التربية والتعليم المعنية برعاية وإدارة أكثر من خمسة ملايين طالب ونصف مليون معلم.
ما أتوقع أنه مسئولية الوزارة هو أن تلزم كل المدارس دون استثناء سعودية أو عالمية الحصول على شهادات الاعتماد المطلوبة من مؤسسات تعترف بها الوزارة وإلا فلن يجدد لهذه المدارس وفي العادة تأتي مؤسسات الاعتماد الخارجية لتجري عمليات دقيقة في مجال تقييم عمليات التعليم والتعلم الداخلية وتقوم خلال المراجعة بمقابلة كافة ذوي العلاقة من أهالي ومعلمين وممولين وطلاب ومديرين وغيرهم ثم تكتب تقريرها الذي يجب أن تراجعه المدرسة التي تعطي في العادة مهلة سنتين من أجل معالجة نقائصها ثم خمس سنوات أما إذا لم تتمكن فتحرم من الاعتماد الذي سيحرمها من ثقة عملائها وهم أهالي الطلبة كما سيحرمها من دعم الدولة وكذلك شركات القطاع الخاص التي تقدم بعض الدعم المادي لبعض مدارس الجاليات.
في نهاية الأمر: يجب أن يمتلك الوالدان الحق في اختيار التعليم الذي يرونه مناسباً لأبنائهم من خلال تعدد الخيارات التعليمية المتاحة لهم.