تحدث رمزٌ نابه الذكر، باذخ العلم، طيب الخلق، قدم للمجتمع الكثير، وأثّر إيجاباً في البنية الفكرية عند جيل كامل عن موقف من مواقف الحياة الصعبة التي لا تزال تهديها للجميع، قال: بقدر ما كان الألم من الموقف كان الدرس الكبير الذي لا يقدر بثمن!
جزى الله الشدائد كل خير
عرفت بها صديقي من عدوي
ومن عجائب الحياة أننا فيها نختبر ثم نتعلم بعكس المدرسة التي نتعلم ثم نختبر!
وإليكم الدرس الكبير: يقول: التف الناس من حولي سنوات وكنت أظنهم عدة في الشدائد وسنداً في المدلهمات ودرعاً إذا طاشت السهام، فكانوا للأسف برق خلب!! فعندما حدثت لي (أزمة) كنت بعدها كالقائد المنكسر بعد الحرب، قلبَ علي الأكثرية ظهر المجن وتكالبوا علي -إلا من رحم الله- من كل حدب وصوب سباً وشتماً واستنقاصاً كأنما سفكت دماً أو أصبت جرماً! وعجزاً والله من الإنسان أن ينال ممن أحسن إليه وأهدى إليه معروفاً!
فعلمت أن الركن القوي هو ركن الله ولا تعويل على بشر ولو كانوا من أقرب الناس، ومن بعدها عرفت الحياة كما يجب أن تعرف، فما عدت أخدع باصطفاف الناس حولي ولا التفاف (الدهماء) علي ولم يعد تصفيقهم يطربني وما عاد هتافهم يفرحني وكذلك ما عاد نقدهم يحرك شعرة فيني! فليس أسهل على الكثير أن يتخلوا عنك في أي لحظة ويتركونك وحيداً في حال نزلت بساحتك (شدة) أو أقبلت عليه (مصيبة)! (العامة) مبدعون في التصفيق والهتاف ولكن عندما يظهر مخلب أو يلمع سيف أو يُرفع سوط أو يُثار غبار فلن تجدهم! ولن يكتفوا بهتاف (نفسي نفسي) بل ربما أعانوا عليك!
ولقد صدق القائد الفذ (نابليون بونابرت) عندما قال: إن العامة لا يمكنهم نصر قضية!
وأحسب أن هذا من أوجه (الجحود) الذي طُبع عليه البشر فمن يجحد نعم ربه عليه ويسترخص عطاياه من الطبيعي أن يتجاهل عطاءات البشر ويتغافل عنها!
وللعقاد رحمه الله منهج عجيب في التعامل مع البشر يريح البال ويُسكّن النفس حيث يقول: تعودت أن أجمع الأخلاق في أنواعها, وأن أضع كل نوع منها تحت عنوانه. في الناس أنانية, في الناس صغار, في الناس سخافة, في الناس نقائص, فإذا أصابني من الناس شيء مكدر رجعت به إلى عنوانه, فوجدته مسجلاً هناك ولم يفاجئني بما لا أنتظر!
وما كذب (الزيات) عندما قال: الحياة جميلة وما شوّه جمالها غير ذلك الكائن المسمى بالإنسان!
وقد ذهب الأحيمر السعدي لأبعد من هذا عندما قال:
عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوى
وصوّت إنسان فكدت أطيرُ
وأحسب أن ما أنعم الله على بشر من نعمة أثمن (قيمة) ولا أنفس (جوهراً) ولا أعظم (أثراً) من نعمة الاعتماد على الله والثقة به في السراء والضراء وتوكيل الأمر إليه وانتظار عونه ومدده, فالواثق بالله تراه دائماً هادئ البال ساكن النفس إذا ادلهمت الخطوب فهو يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه, فلو تجاهلك الناس وتخلوا عنك فلا تبتئس وكفكف دموعك ففي السماء رزقك وعند الخالق أجرك، فإن تصدرت لنفع الناس وقيادتهم فلا تعول عليهم أبداً فالحسد يغري والجهل يعمي والإعلام يضلل!
واعلم علم اليقين أن حافظك ومعينك وناصرك والمدافع عنك الله ولا غيره سبحانه.
ومضة قلم: البحر الهادئ لا يصنع بحاراً ماهراً!
khalid1020@gmail.com