|
الرياض - خاص بـ(الجزيرة):
أكدت أستاذ الفقه المساعد بجامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن بالرياض الدكتورة آمنة بنت علي الوثلان أهمية القصد والاعتدال في الحياة بمختلف شؤونها، ومن ذلك النفقة سواء كانت في مأكل، أو مشرب، أو ملبس، أو مركوب ونحوه، وأن ذلك مما حث عليه الدين الإسلامي في آيات قرآنية، وأحاديث نبوية.
وقالت في حديث لها لـ»الجزيرة» عن الاقتصاد في النفقة ومفهومه وآثاره: إن الله سبحانه وتعالى شرع لعباده أحكاماً لا تستقيم حياتهم إلا بها، وقدر على هذه الأرض سنناً نافذة لا تتخلف، ونظما لا تتغير، فمن اتبع حكمه، وطبق شرعه، ملتزماً بأمره، متجنبا لنهيه، فقد سعد في دنياه، وآخرته، ومن أعرض عن حكمه سبحانه فقد عرض نفسه للشقاء ما لم تتداركه رحمة الله تعالى، ومن جملة الأحكام التي أمر بها سبحانه، الأمر بالتوازن، والاعتدال في الإنفاق، وقد جاءت آيات قرآنية كثيرة تأمر بالتوسط، والاعتدال، والتوازن، وتحذر من عاقبة الإسراف والتبذير، ومن ذلك قوله تعالى: {وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} الأعراف31، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً} الفرقان67، وقال تعالى: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً. إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً} الإسراء 26-27.
وواصلت القول: إن التبذير في المشهور هو الإسراف، ومن العلماء من فرق بينهما، فجعل الإسراف مجاوزة الحد في الأموال وغيرها، والتبذير إنفاق المال في المعاصي، وتفريقه في غير حق، ولا يخفى على عاقل أهمية القصد والاعتدال في الحياة بمختلف شؤونها، ومن ذلك النفقة سواء كانت في مأكل، أو مشرب، أو ملبس، أو مركوب ونحوه، فالله تعالى أعلم بما تقوم به حياتنا على هذه الأرض، قياماً نحقق به عمارتها على الوجه الذي يرضيه، سبحانه بلا مجاوزة لحد الاعتدال.
وأكدت إن إتباع المسلم لمنهج التوسط والتوازن في النفقة يكفل له -بإذن الله تعالى- عيشاً رغيداً، وحياةً هانئة،لأن المال هو عصب الحياة، وعليه تقوم المنافع، وبه تقضى الحاجات، والمصالح الدنيوية، وهو وسيلة يتقرب بها العبد إلى ربه، إذا بذله في أوجه الخير، والطاعات، فهو باب أجر عظيم،وخير جزيل، فلا عجب أن حث الشرع على مراعاة القصد، والتوازن في إنفاقه، وحذر من عاقبة تبذيره، وإسرافه، وكل على قدر مسؤوليته، فالرجل راع في بيته، وتقع على عاتقه مسؤولية الإنفاق وإن كانت زوجته غنية، فيكون مطالباً بتطبيق ميزان الاعتدال عند الإنفاق فلا يبسط يده بسطاً يصل به إلى حد الإسراف، أو التبذير، ولا يمسك عن أهله النفقة، فيقع في التقتير، والحرمان، وكم من بيت تفكك، وتفرق شمله بسبب بخل الزوج وتركه النفقة الواجبة، أو كثرة مطالب الزوجة، وإثقالها كاهل زوجها بكثرة مطالبها وتبذيرها لماله مجاراةً لفلانة في ملبس أو، سفر، أو أثاث.
ورأت الدكتورة آمنة الوثلان أن الزوجة كذلك تقع عليها مسؤولية الاقتصاد في النفقة، بحيث تدير شؤون بيتها بحكمة، وحسن تدبير، فلا ترهق الزوج بمطالب لا تعود عليهما بنفع عاجل أو آجل، ولا شك أن حكمتها تلك ستنعكس آثارها خيراً، وبركة في مال زوجها بل في حياتهما كلها، فقد تعوده بحسن تدبيرها، وتركها صرف المال في كماليات، أو مظاهر زائفة على انتهاج الطريق الصائب في الإنفاق والذي وضع الإسلام أسسه، ومبادئه.
وشددت على أن تطبيق المنهج الشرعي في الإنفاق القائم على مبدأ التوسط، والاعتدال، والقصد،يحتاج إلى إيمان وتسليم بحكم الله تعالى، وإدراك لمغزى الشرع، واستشعار كونه أمراً من عنده سبحانه الحكيم العليم، الذي جاءت أحكامه متضمنةً ما فيه منفعة وصلاح لعباده، ولو توقف العاقل قليلاً عند المضار، والمفاسد التي يجرها الإسراف، لأدرك تلك الحكم، وتنبه لشر تلك النقم، فنأى بنفسه، وأهله عنها،حيث أنها لن تقتصر على الإضرار بماله فقط، بل قد يمتد ضررها على بدنه، وصحته، فربما أودت به آفة الإسراف والتبذير،والإكثار من الملذات -وإن كانت مباحة- إلى مالا تحمد عقباه فيقع فريسة للأمراض، أو ضياع الأموال، أو تكالب الديون.
وختمت الدكتورة آمنة الوثلان حديثها قائلة: علينا أن ندرك أهمية القصد في الإنفاق، ونطبقه واقعاً ملموساً يشاهده من حولنا، فنضرب لهم مثالاً صادقاً يرون آثاره الطيبة واضحةً للعيان بحسن المعيشة، مع أخذ الزينة المباحة، والابتعاد عن التكلف، والمظاهر، وحبذا لو حرص الوالدان في تربيتهما للأبناء، والبنات على ترسيخ السلوكيات الصحيحة في الإنفاق، إعداداً لجيل مشرق يتسم بالوعي على نهج قويم من هدى الإسلام.