ورد في حرمة أكل أموال الناس، أدلة كثيرة وهي من المسائل المعلومة من الدين بالضرورة.
قال تعالى: {وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} (188) سورة البقرة.
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: ولا يأكل بعضُكم مالَ بعض بالباطل. فجعل تعالى ذكره بذلك آكلَ مال أخيه بالباطل، كالآكل مالَ نَفسه بالباطل.
ونَظيرُ ذلك قولهُ تعالى: {وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ} (11) سورة الحجرات، وقوله: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ} (29) سورة النساء.
بمعنى: لا يلمزْ بعضكم بعضا، ولا يقتُلْ بعضكم بعضا... فتأويل الكلام: ولا يأكلْ بعضكم أموال بعضٍ فيما بينكم بالباطل.
«وأكله بالباطل»: أكله من غير الوجه الذي أباحه الله لآكليه.
وقال القاضي أبويعلى: والباطل على وجهين: أحدهما: أن يأخذه من غير طيب نفسه من مالكه كالسّرقة والغصب والخيانة.
والثاني: أن يأخذه بطيب نفسه كالقمار والغناء وثمن الخمر.
زاد المسير لابن الجوزى (1 - 188)
قال القرطبيّ رحمه الله: الخطاب بهذه الآية يتضمن جميع أمة محمد r والمعنى: لا يأكل بعضكم مال بعض بغير حق فيدخل في هذا: القمار والخداع والغصوب وجحد الحقوق ومالا تطيب به نفس مالكه أو حرمته الشريعة وإن طابت به نفس مالكه كمهر البغي وحلوان الكاهن وأثمان الخمور والخنازير وغير ذلك..... أ.ه الجامع لأحكام القرآن (2 - 338).
قال الشوكاني رحمه الله: هذا يعم جميع الأمة وجميع الأموال لا يخرج عن ذلك إلا ما ورد دليل الشرع بأنه يجوز أخذه فإنه مأخوذ بالحق لا بالباطل ومأكول بالحل لا بالإثم وإن كان صاحبه كارها كقضاء الدين إذا امتنع منه من هو عليه وتسليم ما أوجبه الله من الزكاة ونحوها ونفقة من أوجب الشرع نفقته والحاصل أن ما لم يبح الشرع أخذه من مالكه فهو مأكول بالباطل وإن طابت به نفس مالكه.
والمعنى أنكم لا تجمعوا بين أكل الأموال بالباطل وبين الإدلاء بها إلى الحكام بالحجج الباطلة وفي هذه الآية دليل أن حكم الحاكم لا يحلل الحرام ولا يحرم الحلال من غير فرق بين الأموال والفروج فمن حكم له القاضي بشيء مستندا في حكمه إلى شهادة زور أو يمين فجور فلا يحل له أكله فإن ذلك من أكل أموال الناس بالباطل وهكذا إذا أرشى الحاكم فحكم له بغير الحق فإنه من أكل أموال الناس بالباطل ولا خلاف بين أهل العلم أن حكم الحاكم لا يحلل الحرام ولا يحرم الحلال...اه فتح القدير (ج 1 -244).
أكل أموال الناس بالباطل من صفات اليهود وذكر الله تعالى أنّ أكل الحرام وأموال الناس بالباطل من صفات اليهود الغضوب عليهم فقال تعال: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} (42) سورة المائدة، وسداً للذريعة نهى سبحانه وتعالى التمني بما في أيد قال تعالى: {وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ} (32) سورة النساء.
قال الألوسي رحمه الله في تفسير الآية: قال القفال: لما نهى الله تعالى عن أكل أموال الناس بالباطل وقتل الأنفس عقبه بالنهي عما يؤدي إليه من الطمع في أموالهم وقيل: نهاهم أولا عن التعرض لأموالهم بالجوارح ثم عن التعرض لها بالقلب على سبيل الحسد لتطهر أعمالهم الظاهرة والباطنة فالمعنى ولا تتمنوا ما أعطاه الله تعالى بعضكم وميزه به عليكم من المال والجاه وكل ما يجري فيه التنافس فإن ذلك قسمة صادرة من حكيم خبير... روح المعاني (5 -19) الآية (33)
صور في أكل أموال الناس بالباطل السرقة والغصب والنهب الخمر والميسر بالحكم والسلطة بالبيوع الفاسدة بالاحتكار بالغش والخيانة بتطفيف المكيال والميزان بالحلف الكذب بالخصومة الفاجرة بالدين وأكل الميراث بالباطل أكل مال العامل بإظهار الصلاح التقوى بالتطبب ومن الآثار المرتبة على أكل أموال الناس بالباطل: ان لا يقبل الله صدقة من مال محرم عدم إجابة دعائه.
وفي الختام أحمد الله تعالى على نعمه وآلائه فهو الأول والآخر والظاهر والباطن لا أحصي ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه.
- أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة بجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن