|
جولة – منصور عثمان – سعود الشيباني / تصوير – عبدالله المسعود:
في الجولة السابقة استعرضنا انفراد وفد «الجزيرة» بمرافقة وفد حرس حدود جازان، ونقل جهودهم وتضحياتهم بالبر والبحر والجبل، وإلزامنا بارتداء الواقي من الرصاص أثناء التحركات الليلية، بجانب إحصائيات المضبوطات من المخدرات بأنواعها المختلفة وأعداد المهربين والمتسللين، وفي هذه الجولة نختتم رصدنا لجهود رجال حرس الحدود بمنطقة جازان ومراكزه المنتشرة فوق قمم الجبال الشاهقة، حيث تم التحرك من مقر الإقامة بنادي ضباط القوات البحرية بحارس الحدود بمدينة جازان، لننطلق صوب ظهران الجنوب، وأثناء سيرنا مررنا بقطاع حرس الحدود بالدائر، وعدد من المراكز تابعة لحرس الحدود جميعها تقع في جبال شاهقة تتراوح ارتفاعاتها عن مستوى سطح البحر بـ(2900) متر، وتقع في أعلى نقطة بها أبراج مراقبة يُوجد بها كاميرات حرارية ترصد تحركات المتسللين والمهربين الذين يحاولون إيجاد أي فرصة لاختراق حدود الوطن بهدف مصالحهم الشخصية أو تنفيذ مخططات مشبوهة، وكشفت معلومات لـ»الجزيرة» أن رجال حرس الحدود القابعين على الخطوط الأمامية، ومن بعد صلاة الفجر وحتى طلوع شمس اليوم الثاني يستحيل عليهم إشعال النار أو إصدار مصادر للضوء خوفاً من قنص المهربين والمتسللين عليهم، حيث يراقبون عبر الكاميرات الحرارية والدرابيل الليلية، وفي حالة مشاهدتهم لمهربين أو متسللين يتم إبلاغ الخطوط الخلفية للقبض عليهم بعد أن يتم وضع كمين لهم بعيداً عن مخاطر القناصة الذين دائماً يُمارسون عملية غطاء للمهربين الذين يحملون معهم ممنوعات خصوصاً في ظل وجود نقل كميات من المخدرات كالحشيش أو الهيروين أو حبوب الكبتاجون المخدر، كما نجح رجال حرس الحدود وبالرغم من وعورة هذه المنطقة في إنشاء طرق تسلكها دورياتهم لملاحقة من يحاول العبث بأمن الوطن متسلحين بالإيمان ووسائل التقنية الحديثة التي وفرتها القيادة لرجال حرس الحدود بالإضافة للأسلحة النارية والتي تُعد من أساسيات العمل الأمني والتي لا بد أن تكون بحوزة ضباط وأفراد منسوبي حرس الحدود المرابطين على الحدود على مدار الساعة، وخلال وصولنا لمقر قطاع الدائر وسط وادٍ ومن بين جبلين شاهقين وبالقرب من منازل عدد من المواطنين، وجدنا أكثر من 14 إثيوبياً تم القبض عليهم متسللين وأعلنوا إسلامهم، حيث تواجد مسؤول توعية الجاليات وإدارة الشؤون الدينية بحرس الحدود، وبعد أن شاهدوا حسن التعامل من قبل حرس الحدود وسماحة الإسلام أعلنوا إسلامهم وتموزيع كتب وأشرطة و(CD) عليهم لتعاليم الإسلام، حيث تتواجد بكميات كبيرة داخل مكتبة حرس الحدود.
وقال أحد المتسللين: سبق القبض عليَّ عدة مرات طوال العام الماضي، ومعي ما يقارب خمسة من أصدقائي وفي كل مرة تتم معاملتنا معاملة حسنة بعكس ما نجده حتى في بلادنا، وعندما سألنا أحد الضباط لماذا لا تستخدمون العنف مع المتسللين والمهربين أسوة ببعض الدول الأخرى رد عليّ قائلاً: «نحن مسلمون وتوصيات القيادة تحثنا على الرفق والتعامل الحسن مع من يدخل أرض السعودية حتى ولو جلب معه ممنوعات أو محرمات»، وقال المتسلل على ضوء ذلك أعلنت إسلامي أنا وزملائي وتبعنا الجميع وعددهم (14) متسللاً.
وخلال جهود حرس الحدود حول تعقب المتسللين والمهربين في ذات اليوم تم القبض على (211) مهرباً ومتسللاً من بينهم (61) إثيوبياً غير مسلم وبعد القبض عليهم بساعات ومقابلتهم لـ(14) إثيوبياً أسلموا حديثاً واستمعوا لمحاضرة دينية ونقل لهم أبناء جلدتهم سماحة الدين الإسلامي، أعلنوا إسلامهم وتم إبلاغ الجهات المختصة لتقوم بدورها وفق الأنظمة المعمول بها في حالة دخول الإسلام أي شخص.
وأثناء تجول وفد «الجزيرة» شاهدنا عدداً من رجال الأمن يقومون بمنح زملائهم دورة عربات وهم على رأس العمل كون المناطق التي يعملون بها وعرة للغاية وتحتاج لحرفية عالية بالقيادة ويتم تدريب منسوبي حرس الحدود قائدي الدوريات والذين للتو تم تعيينهم أو تكليفهم بالعمل بالمناطق الجبلية.
وتحدث أحد ضباط الأمن بأن الهدف من تدريبهم هو المحافظة بالدرجة الأولى على أرواح رجال الأمن وكذلك المهربين والأجهزة الأمنية والأسلحة التي بحوزتهم كونهم يسلكون طرقاً وعرة للغاية.. كما يتم تدريبهم على كيفية الملاحقة للمهربين وإطلاق النار على المهربين المسلحين.
مؤكداً أن قائدي الدوريات يمنحون رخصة قيادة عسكرية، وبعد أخذ جولة على مرافق القطاع تم التحرك لجبال آل سلمى ومررنا بمركز نيد العقبة وتحدث مساعد قائد نيد العقبة الملازم جمال بن محمد البلوي الذي أكد أن حرس الحدود يقوم بجهود ذاتية لتذليل كافة الصعاب تجاه دورياتهم والمساهمة في سرعة ملاحقة المهربين أو المتسللين، كما يمنع دخول المواطنين بهذه المنطقة كونها حدودية ويوجد بها سوق داخل الحد اليمني وعلى مسافة قريبة جداً من الحدود السعودية يتم بيع الأسلحة.
وكشف أحد ضباط مركز حرس الحدود ضبط أسلحة وأشخاص كانوا يحاولون إدخال كمية من الأسلحة وعثر بحوزتهم على (2500) قطعة سلاح صناعة تركية، وعثر أيضاً معهم على (500) مسدس و(6) رشاشات فيما يتم ضبط كميات من أسلحة نارية عبارة عن (أقلام) وهي روسية الصنع وخطيرة للغاية، حيث تستخدم للاغتيالات فيما شاهد الوفد على مركز عرب وكذلك العلامات الحدودية والشاهد.
وكشف الملازم البلوي أن رجال حرس الحدود يمارسون أعمالهم وتحدي الصعاب كون المناطق صحراوية وجبالاً وعرة ويُوجد بها عقارب وثعابين، حيث تُشكّل خطراً كبيراً على منسوبينا وكثيراً ما يتعرضون للدغات وبشكل شبه يومي.
وتم توديع الملازم البلوي وزملائه وسلك وفد «الجزيرة» عدة أودية ومراكز تابعة لحرس الحدود منها وادي دفا ومنطقة آل تليد.
ولاحظ وفد «الجزيرة» أنه وخلال جولتهم أطلعهم رجال حرس الحدود على أحد المراكز التابعة لهم والتي تعرضت لإطلاق نار من قبل مجموعة من المهربين ولقرب المركز من الحدود تعرض لإطلاق النار وتم إنشاء مركز جديد وتم إبعاده داخل حدود السعودية بمسافة تقدر بـ(500) متر بهدف المحافظة على أرواح رجال الأمن فيما تم وضع نقاط تعزيز للمركز وبعدة مواقع من الجبال القريبة من المركز ووضعهم بأماكن يصعب الوصول إليها من قبل المهربين المسلحين. كذلك أكد رجال حرس الحدود أن هذا المركز مشهور بالتصدي لعصابات التهريب بشكل شبه يومي لقربه من قرى يمنية، واطلع وفد «الجزيرة» على آثار الطلقات النارية التي تعرض لها المركز القديم من قبل عصابات التهريب، كما تم وضع عوائق لمنع عبور المتسللين والمهربين كون المركز يقع على مجرى وادٍ يمتد من اليمن للسعودية.
وفي إطار جهود دوريات حرس الحدود بمنطقة جازان والتي تُعد منطقة لأكثر عمليات قبض المهربين والمتسللين وضبط كميات من الأسلحة والمتفجرات والمخدرات، وكانت إحصائية أربعة أشهر من بداية هذا العام تم تسجيل (8185) قضية في الدرجة الأولى قطاع الدائر بـ(87282) ذخيرة حية و(154693) حزمة قات و(2446) كيلو حشيش و(57121 متسللاً) و(1049) مهرباً و(154467) ريالاً سعودياً مجهولة المصدر و(2773) كيلو جراماً من الألعاب النارية.
وخلال جولة الوفد في يوم كان ماطراً وأجواء جميلة للغاية وعند الساعة الواحدة والنصف كنا في آخر مركز تابع لقطاع الدائر حيث كرم ضيافة رجال حرس الحدود دائماً حاضراً وتشهد لهم الوفود التي تكون في ضيافتهم، حيث أعد وجبة غداء بحضور العقيد قاسم بن مهدي منقري قائد قطاع حرس الحدود بالدائر وعدد من الضباط والأفراد وكذلك العقيد عبد الله بن محفوظ المتحدث الرسمي بحرس الحدود بجازان والرقيب ولي بن حسن الحكمي وبعد تناول وجبة غداء لذيذة وكذلك تم تقديم وجبات.
ويعد قطاع الدائر من القطاعات التابعة لحرس الحدود بجازان التي قدَّم (17) من رجال الأمن أرواحهم فداء عن تراب الوطن، حيث استشهد هؤلاء إثر مواجهات مع مهربين بعضها مسلحة والبعض الآخر أثناء المطاردات يتعرضون لحوادث بسبب وعورة الطرق التي يسلكها المهربون.
وخلال الجولة التي شارفت على الانتهاء من حدود مسؤوليات منطقة جازان والدخول بحدود مسؤوليات منطقة عسير لاحظ الوفد اختلافاً، لكنه اختلاف كأنه - سبحان الله - علامات ترسم الحدود بين جازان وعسير.
وعند الساعة الثالثة عصراً وصلنا لنقطة فرعات نايف بحدود منطقة عسير، وكان في استقبال وفد «الجزيرة» المقدم علي بن سعيد الربيعي رئيس قسم الدورات والتدريب وكذلك الرائد عوض بن مثيب القحطاني قائد مركز الربوعة، فيما تم توديع العقيد عبد الله بن محفوظ المتحدث الرسمي لحرس الحدود بجازان.
وقدم المقدم الربيعي شرحاً وافياً عن مشروع السياج المزمع الانتهاء منه قريباً، حيث شاهد وفد «الجزيرة» العمل القائم على قدم وساق من قِبل الشركة المنفذة للمشروع وكذلك ما ينفذ على مدار الساعة من عوائق طبيعية وأسلاك شائكة وعقوم ترابية بجهود رجال حرس الحدود للتصدي للمتسللين والمهربين الذين يسعون لاختراق الحدود بطرق غير نظامية، وتُشكّل خطراً حقيقياً على الفرد والمجتمع.
المشاهد لرجال حرس الحدود سواء في حدود مسؤوليات منطقة نجران أو جازان أو عسير يُؤكد أنهم يسيرون وفق خطة مدروسة كل منهم ينافس الآخر على الإنجاز والإبداع في عمل عوائق وإنشاء طرق خاصة لدورياتهم دون كلل أو ملل كل جهة تعمل وفق طبيعة المنطقة والتي غالبيتها مناطق جبلية وعرة للغاية أو مناطق صحراوية مفتوحة تحتاج ليقظة على مدار الساعة.
التسلل
يُعد أبرز أهداف التسلل وأخطرها هي الأهداف الاقتصادية والتي رصدها العقيد سعيد بن عايض القحطاني وفق بروشور تم توزيعه بمناسبة مرور مائة عام على إنشاء حرس الحدود، حيث قال: تتمثّل في الربح المادي عن طريق التهريب وتحسين مستوى المعيشة لدى المتسلل بالبحث عن فرص العمل أو التمتع بالخدمات التي توفرها الدولة المتسلل إليها، كذلك هناك أهداف سياسية وتتمثّل في السعي لتحقيق اضطراب سياسي في الدولة المتسلل إليها أو الهروب من نظام سياسي.. كما تُوجد أهداف أمنية تتمثّل في زعزعة الأمن والاستقرار في الدولة المتسلل إليها أو الهروب من عدم الاستقرار بالدولة المتسلل منها واللجوء لملاذ آمن.
أما الأهداف الاجتماعية فتتمثَّل في التأثير السلبي للأمن الاجتماعي وتفكيك الروابط الاجتماعية وإلغاء التراث الاجتماعي إلى الدولة المتسلل إليها.. وكذلك يوجد هدف عقائدي ويتمثّل في الترويج لعقيدة ونشر السيطرة المذهبية ومحاولة فرض الفكر المذهبي للدولة المتسلل منها والاستقطاب الفكري لأفراد الدولة المتسلل إليها.
التهريب
أما التهريب فله انعكاسات وآثار أمنية منها زعزعة الأمن الاقتصادي من خلال التأثير على حجم الإنتاج والناتج القومي مما يترتب عليه انخفاض حركة التصدير والاستيراد واختلال الميزان التجاري وانخفاض مستوى المعيشة، وقال الرائد ذعار بن علي العتيبي وفق تقريره إن من الآثار والانعكاسات السلبية التي يخلفها التهريب على الدولة إحداث ضائقة مالية ويسبب خسائر هي تهريب البضائع والملابس والسلع الغذائية كذلك أضرار تهريب المحاصيل بالاقتصاد الوطني، لأنه يحرم الوطن من العائد المتوقع ويؤدي إلى ظهور العجز في الموارد.
لكن تأثير التهريب ينعكس سلباً على معدلات النمو الاقتصادي نتيجة انخفاض فرص تكوين رأس المال الوطني اللازم للاستثمار في إنشاء وتطوير المشروعات الاقتصادية والاجتماعية.. كذلك يساهم التهريب في انتشار ظاهرة المخدرات والإدمان ويترتب عليها آثار اقتصادية سلبية وكذلك يؤدي ذلك لزعزعة الأمن الاجتماعي والتأثير على الأمن الصحي والأمن الغذائي واختلال الأمن الوطني والتأثير في الأمن الفكري. أما وسائل التهريب فعادة تنحصر باستغلال السيارات الخاصة والشاحنات ووسائل النقل البحري ووسائل النقل الجوي والأشخاص والحيوانات والبضائع.