كانت كلمات التحذير من الاقتراب من نجع الغرابية هي أول ما نسمعه صغارا من كبار العزبة القبلية حيث ولدنا وعشنا.. اللصوص دوما يأتون من هناك.. عصابات تخطف الأطفال.. تسرق المواشي.. تسبي النساء.. هي كل ما كنا نعرف عن أهل النجع.. اختلف الجميع في أصلهم.. فمن قائل إنهم جماعة من الغجر.. ارتحلت من بعيد.. ورأت في مكانها بين العزبة القبلية والأخرى البحرية مكانا للعيش.. بينما ذهب البعض إلى كونهم بقايا أمم سكنت الوادي قديما بمعزل عن باقي أهله الطيبين..
ولما كانت حياتنا ترتبط ارتباطا وثيقا بعائلات العزبة البحرية.. فبيننا وبينهم نسبا وصهرا..وبين الرجال تجارة ومصالح عديدة من قديم الأزل.. فكان لزاما علينا أن نتواصل معهم عبر الطريق الوحيد الواصل بين العزبتين.. والذي كان لابد وان يمر عبر نجع الغرابية.. كان المرور مأمونا.. فلم يجرؤ أحد من أهل النجع أن يتعرض لمن يمر قاصدا إحدى العزبتين لما لعائلاتها من قوة ومنعة.. ولا تزال ذاكرة الناس تحمل روايات عما حدث في زمن سابق حين حاول بعض سكان النجع اعتراض المارة.. أو قطع الطريق.. فكان العقاب الرادع من رجال القرية دافعا لعدم تكرار الأمر بعد ذلك.. لكن الأمور في الوادي لا تعرف مسارا واحدا.. فبعد خلاف مالي وقع بين بعض من أبناء العزبة البحرية مع أقران لهم بعزبتنا.. استعان هؤلاء ببعض من رجال النجع.. ليحرقوا أرضا في عزبتنا الوادعة.. فكان قرار رجال عزبتنا أن يردوا بالمثل.. فعرفت شوارعنا هؤلاء الرجال الغرباء لأول مرة.. استنكر بعض عقلاء العزبتين هذه الخطوة المتسرعة.. لكن الرغبة فى الثأر والانتقام كانت أقوى من صوت العقل.. فتكررت الحوادث.. وازداد نفوذ أهل النجع هنا وهناك..فلم يعد وجودهم مستنكرا.. بل أصبحوا محل ترحيب.. بدأ مستترا.. ثم تحول بمرور الوقت إلى علانية لا تعرف خجلا.. حتى أن تدخلهم في صراعات بين أهل العزبة الواحدة لنصرة البعض صار أمرا مألوفا.. وكان حرصهم على زيادة الخلاف والشقاق حتى بين أبناء البيت الواحد أمرا بديهيا..حتى صارت لهم الكلمة العليا على الوادي بأكمله.. و تداخلت الحدود الفاصلة بين النجع والعزبتين واتصلت البيوت بعضها بالبعض حتى أنك لتمر اليوم مقبلا على الوادي فيخبرك كل من تسأل أنك في نجع الغرابية وماعاد هناك ذكر للعزبة القبلية أو تلك البحرية.