كتب - عبدالعزيز بن سعود المتعب:
الإمارة، الشعر، الفكر، الثقافة العالية، الرقي في التعاطي مع الآخر، الجماهيرية الكبيرة في الشعر (كحق مستحق لقاء ما قدمه من تجربة رائعة) بالإضافة لخدمة وطنه المشرفة كأستاذ جامعي متخصص في مجال الإعلام وأكاديمي في إحدى أعرق الجامعات السعودية، يضاف لكل هذا - من منظور نقدي - تركيزه على موهبة شعره الرصينة - التي أسس لها- كما يجب (وهي امتداد لمدرسة والده الشعرية الكبرى) حتى أضحت تجربة متبلورة تماماً مرتوية من نمير البلاغة الصافي والمخزون اللغوي الثري - بانتقائية مفردة شاعرها الخاصة - زاهية بعلم المعاني، والبيان، والبديع لتكون المحصلة المتفردة ديوان شعر باسم (منادي) لسمو الأمير الدكتور الشاعر/ سعد بن سعود بن محمد بن عبدالعزيز آل سعود.
يضم (88) قصيدة عاطفية - اجتماعية في كتاب أنيق جداً يقع في (126) صفحة طرزت صفحاته بصور آسرة ولوحات فنية معبرة جداً عن محتوى القصائد، كانت الصور الفوتغرافية لسمو الأمير فيصل بن عبدالله واللوحات الفنية لمجموعة أسماء معروفة، مثل توفيق الآنسي، أحمد حسين الغامدي، أسماء بنت عبدالله بن ناصر الدخيل، فهد علي خليف الغامدي، سامي بن عبدالله البار، شادن أحمد التويجري، شريفة تركي السديري، عبده فايز الشهري، غاده الحسن، محمد إبراهيم رباط، مفرح علي عسيري، مهديه علي آل طالب، محمد عدنان ريس، عبدالرحمن خضر، - مَثَّل - عمل هذه الأسماء المتميزة معرض الشعر التشكيلي لقصائد سمو الأمير سعد آل سعود الذي زامن تدشينه لديوانه حيث قدَّم سموه (لإصدار عين رأت) بقوله: (من خلال معرض «الشعر التشكيلي» الذي يضم نخبة متميزة من الفنانين التشكيليين، جسدت لوحاتهم نصوصي الشعرية برؤية خاصة وخيال خصب أقل ما أقول عنه: كان أجمل ما كتبت.. كل الأماني أن نقدم معاً ما يليق بذائقة الجمهور الكريم، كل الشكر لأخي فيصل بن عبدالله لتفضله بالمشاركة بصور فتوغرافية كل التقدير والمودة لأخواتي وإخواني الفنانين المشاركين، ولمجموعة (عين رأت)).
وفي تصوري أن في (ثنايا التقديم) قصيدة هربت من (الشعر إلى النثر) لأن - أبو فيصل شاعر في كل المواقف - ولا أقول ذلك لأنه صديق عمر من واقع تجربة، بل لأنه كذلك بشهادة كل منصف راق يغبط - نخبة الرجال - أمثاله على حب الناس الكبير لشخص سموه الغالي، وفي إطلالة على ديوانه القيِّم يُحار كل رفيع ذائقة أي نص دون غيره يشير إليه.. فمثلاً تتجسد إنسانيته العالية في قصيدة يخاطب بها - ذوي الاحتياجات الخاصة - على ص29 بقوله:
لو تألم في حياتك لا تألم
إنت بإيمانك تحديت الإعاقة
إنت صوره للشجاعة والتحمّل
إنت عندك للصبر قوّه وطاقه
كلنا في هذي الدنيا نعاني
والحزن.. كلٍ شكا منّه وذاقه
العوض من ربي أكبر.. لا تكدَّر
ما بعد ليل التعب.. إلاّ فراقه
مسلمين.. وبيننا عطف وتكاتف
الله يديم التآخي والصداقه
من يدين الخير وقلوب المحبه
لو تكرّم تقبل من الود باقه
أما الشعر العاطفي المؤثر فهو أحد رموزه بدليل الأصداء الناجحة للأغنية العاطفية التي ارتبطت باسمه بنجاح على مستوى الخليج بحناجر كبار الفنانين الذين غنَّوا للكثير من الأسماء غيره - بل وبتكرار - وأفلَت كل تلك الأسماء الطارئة من الذاكرة -بعد شبه بزوغها- ولم تتبق إلا أسماء قليلة متميزة جداً وجديرة من الشعراء، من أبرزها (منادي) (لسبب رئيسي) وهو أن له أسلوبه الخاص، يقول أحد الأصدقاء..(منادي) يكتب بمداد الصدق و.. دهن العود والمسك، والورد الطائفي، فليس أزكى من كل تلك الروائح العطرة إلا الصدق المتناهي في القصائد الرائعة). وليس أدل على ذلك من قصيدته (عاشقة) على الصفحة 65 التي تصور -حكمة- التجارب العاطفية في الحياة وتتجاوز الذاتية - النمطية - عند الآخرين:
أعذروها.. قلبها ينبض غرام
لو ظلمها خلّها.. ظلمه جميل
شافت الدنيا بعد فقده ظلام
تايهه بالدرب تبحث عن دليل
إلى أن قال:
عاشقه.. والعشق في ناره سلام
أطمع العشاق يقنع بالقليل
يا جريحه.. جرحك النازف وسام
يا أصيلة.. داخلك قلبٍ أصيل
المشاعر.. ما يوصّلها كلام
يعذر الخلاّن.. من يفقد خليل
وفي دعوة (للرقي) وهذا دور الشعر الحقيقي الذي -تُفَعِّل- فحواه ما نصه:
- وبضدها تتميز الأشياء - يقول شاعرنا الرائع في قصيدته (معالم وفا) على الصفحة 68:
بامكاننا نبعد ونبقى على شوق
ما كان له داعي نشوّه غلانا
نعشق بعض بالذوق ونغيب بالذوق
تعكس مشاعرنا حقيقة هوانا
يفرض علينا الوضع يا خلّي حقوق
وقيود تشعرنا بقيمة عطانا
ولا يغيب - عن فطنة - كل متذوق للشعر ومتابع لتجربة شاعرنا الناجحة أنه مبتكر للمعاني في كثير من نصوصه وهذا هو - الإبداع الحقيقي - وعلى سبيل المثال - لا الحصر - في قصيدته (للحين) على ص79 وتحديداً في آخر ثلاثة أبيات من القصيدة - يفلسف الانتماء ورابطة الحب الحقيقي التي تفوق ما سواها بلغة (التأثر والتأثير) في ثنائية المحبين الصادقة الخالدة، فيقول:
أشكي وتشكين من بعدك وترحالي
(قلتي على مين طالع.. قلت طالع لك)
يا سالفة عشق أسولفها وانا لحالي
يرضيك لو قلت هذا الحزن من فعلك
يالحب الأول بقلبي مدري التالي
(عرفت أنا ليه أروح أروح.. وارجع لك)
كذلك كان -لعقيدة الشاعر ووازعه- انعكاس على توظيف معانيه في نهجه (لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين) تمثل ذلك بقصيدته (أحباب الغالين) ص33 التي مطلعها:
أحبابك أحبابك.. اللي ما لهم غيرك
لا عاد تستغرب إن غابوا بلا رجعه
ومنها قوله:
لا مات قدر الغلا.. لا عاش تقديرك
يا شين نكران من كان الوفا طبعه
يا صبح الأحباب لو طارت عصافيرك
تغريدها حزن والأشواق مصطنعه
سراب الأيام.. ما تصدق مشاوريك
(من خانه السبت.. كيف بيامن الجمعه)؟!
كما احتوى الديوان الشعري القيِّم (مضامين رفيعة) تعكس جوانب من شخصية شاعرها مثل (الكرامة) في قصيدة (الليالي القديمة) على ص43 التي منها قوله:
غلطة خفوقك لو غفرها خفوفي
عفت الخفوق اللي رضابك نديمه
(والشفافية) التي تنبع من الثقة المتناهية بالنفس تطالعنا في قصيدة (جروح الحب) على الصفحة رقم 61:
إجرحيني ثم روحي ما دام الحب راح
لا انتي أول من جرحني.. ولا آخر من يروح
شفت حبك مثل دمعٍ جرح جفني وساح
إن مسحته وإن تركته جروحٍ في جروح
في زمن خاين زمانه.. ذخرتك لي سلاح
من عرفت أشتاق لك ما عرفت إلا الوضوح
أحسب إن الحلم يا بنت في وصلك مباح
وأحسب إن الحب روحين مخلوقه بروح
كذلك كان (للشموخ) في الديوان حضوره -الحاسم- من ذلك مطلع قصيدة (فراغ عاطفي) على الصفحة رقم 93:
ما دام ما به شيء يربطك فيني
(تلقين من يشغل فراغك بدالي)
وكما يقول المثل الشعبي (الكبير كبير)، ولا يتأتّى ذلك إلا أن يكون للشخص - أحقية تامة - بهذه الصفة لذلك تمتد مقاييسها للحكم على المواقف من - تبعاتها- بلغة- الأسباب والنائج - وهذا ما يصوره شاعرنا بإباء ورقي ونبل بقوله في البيت السادس من قصيدته (تفارقنا) على الصفحة رقم 90:
ولا يندم على العشرة سوى (الخاين) وأنا ما خنت
حلمنا بالفرح واليوم من (وهم) الفرح فقنا
أما التجلِّي في التداعيات، والأخيلة، والرموز، والصور فهي ديدن شاعرنا الرائع، وليست جديدة البتة على نهجه، ولعل بيته الثالث من قصيدته (شمس الحب) ص 49 خير شاهد كدليل قاطع وموثّق لما أشرت إليه:
(لو للقلوب قلوب ما تجرح قلوب
ولو للزمان إحساس ماحدٍ شكا باس)