قرأت في صحيفة الجزيرة 15جمادى الآخرة 1434هـ مقالاً بعنوان: (الإنسان عدو ما يجهل «سيداو» أنموذجاً) للكاتبة: سمر المقرن.
بدأت مقالها بانتقاد بعض المعلقين على الاتفاقية في تويتر ووصفتهم بالمتشددين ونسيت أو تناست أنها تنتمي لفئة المتشددين لأن المتشددين قسمان: ديني متطرف مغالٍ وليبرالي متطرف مغالٍ، وكلا الفئتين مذموم والإرهاب الليبرالي لا يقل خطورة عن الإرهاب الديني، وقد بينت في مقالات كثيرة في هذه الصحيفة وجوه الاتفاق والاختلاف، وقد أثنت الأخت سمر على اتفاقية «سيداو» وقالت إنها لا تتعارض مع صميم ديننا الإسلامي الحنيف في كل ما يخص القوانين والحقوق والواجبات، وهذا غير صحيح ففي بحثي المعنون بـ»حقوق المرأة في الإسلام واتفاقية سيداو قراءة نقدية هادفة» ألقيته في الملتقى الفكري في مجمع الفقه الإسلامي الدولي يوم الثلاثاء 9 صفر 1428هـ الموافق 27 فبراير 2007م تناولت فيه حقوق المرأة في الإسلام في الفصل الأول، وفي الفصل الثاني حقوق المرأة في اتفاقية سيداو بينت النقاط المضيئة (الإيجابية) في الاتفاقية والمحاذير والسلبيات الواردة في نصوصها، وقبل الخوض في بيان السلبيات لا بد من بيان ملحظ عام على صياغة الاتفاقية من خلال قراءة نصوص الاتفاقية من المقدمة وموادها الموضوعية من الفقرة «1» حتى الـ «16»، فاستخدمت كلمات:
1 - حقوق 56 مرة.
2 - مساواة 36 مرة.
3 - مسؤولية 7 مرات.
4 - التزام مرتين.
5 - واجب مرة واحدة.
6 - تضامن أو تعاون لا وجود لهما.
7 - هذه الصياغة تؤكد بوضوح مدى التركيز على توجيه الفرد إلى المطالبة بما له وعدم الشعور بالمسؤولية مما عليه إزاء الآخرين.. وقد نتج من ذلك ثقافة تعاني منها مجتمعاتنا حيث يُربى الفرد على النظر إلى حقوقه ولا يلتفت إلى الالتزامات الملقاة على عاتقه إزاء الآخرين.
ومما ينبغي التنبيه عليه أن الأساس الذي بُنيت عليه الاتفاقية هو المساواة، وهي من المبادئ التي قامت عليها الثورة الفرنسية وهي المساواة المطلقة بين الذكر والأنثى في كل مناحي الحياة، والجوانب المضيئة في هذه الاتفاقية كثيرة منها حماية الأمومة من التعديات عليها وتثبيت الحق في الوقاية الصحية وظروف العمل وحماية وظيفة الإنجاب وحظر فصل المرأة بسبب الحمل أو إجازة الأمومة أو بسبب الحالة الزوجية وإدخال نظام إجازة الأمومة المدفوعة الأجر أو المشفوعة بمزايا اجتماعية ورعاية حقوقها المالية التي قررها الإسلام قبل هؤلاء ولها ذمة مالية وحقها في اختيار الزوج وعدم عقد الزواج إلا باختيار حر والحق في الضمان الاجتماعي والمتع بالخدمات الاجتماعية وغيرها في بحثنا السالف الذكر.. وأما أهم المحاذير والنصوص الواردة في الاتفاقية:
1 - الاتفاقية مبدؤها ومنتهاها ولُحمتها المساواة المطلقة والتماثل التام بين الرجل والمرأة في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والرياضية والقانونية، وهذا غلط كبير على إطلاقه ومخالف لصريح القرآن قال تعالى: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى} (36) سورة آل عمران، وقال صلى الله عليه وسلم «إنما النساء شقائق الرجال»، والشق هو النصف المكمل وليس الشق المماثل الذي يختلف عن الآخر والمساواة المطلقة مخالفة للعقل السليم، ففي الحياة أدوار حياتية يختلف فيها الرجل عن المرأة، فالرجل منفق قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ} (34) سورة النساء، فالآية واضحة في تغاير الرجل عن المرأة مما فضل الله تعالى الرجل عليها، وقال فضل بعضهم على بعض فالمرأة تفضل الرجل في شيء والرجل يفضلها في شيء وهي تتبع الأدوار الحياتية فما يصلح لهذا لا يصلح لهذه، فالرجل يتولى الإنفاق والولايات العامة والمساواة المطلقة تعني مساواتها للرجل في الميراث، وهذا خلاف القرآن والسنّة والإجماع وخلاف مقدار مسئولياتهما، فالرجل زاد في الميراث على المرأة في بعض الحالات، بل تزيد على الرجل أحياناً وتساويه أحياناً في حوالي ثلاثين مرة والرجل يفضلها في أربع حالات فقط، وذلك للمسؤولية الاجتماعية والمرأة نقصت عنه لمقدار مسئوليتها، فالرجل دائماً صاحب أسرة وعائلة والمرأة أماً أو أختاً أو بنتاً أو زوجة مسئولة منه في النفقة وأمور الحياة كلها مع حريتها وذمتها المالية الخاصة بها وكذا أمور الشهادة، ففي الجنايات لا تشهد مطلقاً وفي الأموال على النصف من شهادة الرجل، وأحياناً تُقبل شهادتهما في أمور النساء الخاصة ولا تقبل شهادة الرجل فيها وكذا في الرضاع، فهنا على قولك يا فقيهة الرجل مظلوم مع المرأة.. وهل هذا الدين الذي تعتزين به.
2 - الاتفاقية مشحونة بجو العداء بين الرجل والمرأة فهي تصور العلاقة بينهما كعلاقة الظلم التاريخي تريد أن تضع حداً له وتنتقم وتنتصر للمرأة من ظلم الرجال التليد وترى أن الحياة يجب أن تقسم بالتساوي بينهما، وأن الرجل إذا أخذ نصيباً أكبر فإن ذلك على حساب المرأة.. والصواب أن الحياة ليست بهذا الضيق الذي جاء من ضيق وعطن عقولهم، بل الحياة فسيحة تسع الجميع بل لكل وظيفته ودوره في تناغم متكامل قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (13) سورة الحجرات، وقال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً} (21) سورة الروم، ثم إن الاختلاف في الأدوار الحياتية يقتضي عند كل الناس وكل القانونيين والدستوريين والشرائع أن تختلف المسئوليات والواجبات والحقوق تبعاً.
3 - الاتفاقية تخاطب المرأة باعتبارها فرداً مستقلاً مستغنٍ بنفسه محتاج إليه المجتمع وهو لا يحتاج له ونسوا أنها فرد ضمن منظومة الأسرة والمجتمع.
4 - الاتفاقية ناقصة لأنها تتحدث عن حقوق المرأة وأغفلت واجباتها نحو الأطفال والأسرة والزوج المنفق فليس فيها الكلام عن أي واجب والحق يجب أن يقابله واجب حتى يحصل الاتزان المطلوب في المجتمع.
5 - المساواة المطلقة في مناهج التعليم وأنواعه وفي شروط التوظيف والتعليم المهني التي نادت بها المواد 10-11 وتشجيع التعليم المختلط تخالف الفطرة السليمة وقواعد الشريعة الإسلامية والفروق الفسيولوجية لأنها تقتضي أن تختلف مناهج التعليم في الأمور التي يؤثر فيها الاختلافات الفسيولوجية كالأعمال الشاقة للمرأة.. أما التعليم المختلط للبالغين فحرام شرعاً لما يجر إليه من مخالفات شرعية ومشكلات اجتماعية.. كذلك المساواة المطلقة بينهما في الأنشطة الرياضية لا يقرهما الشرع فطبيعة بعض الأنشطة لا تتناسب مع تكوين المرأة.
6 - المساواة في الخدمات الصحية بين الرجل والمرأة التي تنادي بها المادة 12 لا غبار عليها غير أن توفير حبوب منع الحمل دون تقييده بعلاقة شرعية واضحة مقررة شرعاً أمر يقر الفاحشة ويشجعها ولا يرضاه الإسلام.
7 - أما الفقرة أربعة من المادة 15 التي تقضي بحرية التنقل والسكن فتتعارض مع مبدأ القوامة للرجل وضرورة استئذان المرأة لوليها قبل الخروج أو السفر وقوامة الرجل للأسرة أمر يستسيغه العقل لأن الأسرة مؤسسة ولا بد لها من قيادة تتخذ القرار بعد مشاورة الأطراف الآخرين أما جو الندية والعداء الذي شُحنت به الاتفاقية، فلن يتم إلا على أنقاض تلك المؤسسة وتفككها وهدمها، وهذا ما تعاني منه مجتمعات، هي قدوة لكثيرين وينادون بالعودة لاعتبار حرمة تلك المؤسسة وقيام الرئاسة الصحيحة لها من الرجل وهو القوامة.
8 - المادة 16 تدعو إلى المساواة بين الذكر والأنثى في الزواج عند العقد وأثناء الزواج وعند فسخه وحق اختيار الزوج وحقوق الولاية والقوامة والوصايا على الأولاد وحق اختيار اسم الأسرة.. وهذا مخالفة صريحة للشريعة التي قسَّمت الأدوار في الأسرة بين الرجل والمرأة كما سبق.. وأما عند فسخ العقد فالزوج هو من يملك حق الفسخ، وأما المرأة فيمكنها الفسخ عن طريق وسائل أكثر من وسائل الرجل وهي:
أ - طلب الطلاق من القاضي لوقوع الضرر عليها من الزوج أو أعسر أو غاب أو سجن.
ب - مفارقة الزوج عن طريق الخلع وهو طلاق مقابل عِوض مادي.. أما اختيار اسم الأسرة فليس لها ذلك كما أنه ليس للزوج أيضاً، فاسم الأسرة يورث ولا يختار والنسب للأب وانتساب المرأة لزوجها دون أبيها ظلم لا يقره الإسلام ولا الأعراف العربية.. أما تنظيم النسل فجائز في الشريعة الإسلامية بعد تشاورهما ورضاهما، وأما تحديد النسل بمعنى الاقتصار على طفل أو طفلين ومنع الإنجاب بوسائل مانعة للإنجاب وليس تنظيماً فحرام ولا يصح.
وفي الختام أُنبه لما يلي:
1 - كثير من مواد تلك الاتفاقية تُكرّس للاستعمار الداخلي الجديد ووجود دولة داخل دولة وتعطي لجنة المراقبة التي ورد ذكرها في مادة 17 حق تفسير الاتفاقية ورفع التقارير والتوصيات وهذا استعمار.
2 - إن من يُطبِّل لتك الاتفاقية في بعض صحافتنا يجب عليهم قراءة ما بين السطور في الاتفاقية، لكن بخلفية شرعية وألا يتحدث في هذه المسألة من لا يفهم لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره.
إن وصف المعارضين بالمتشددين مغامرة خطيرة، لأن المعارضين لتلك الاتفاقية هو الإسلام والشريعة وعلماء الأمة ومفكروها، بل توجد معارضة كبيرة لها من عدد من دول العالم الكبرى وبخاصة المشرقية منها لأن الأمم الشرقية لا تزال تحافظ على الأسرة وتحترمها بعكس الدول الغربية.
أ.د. محمد بن يحيى النجيمي - الأستاذ بالمعهد العالي للقضاء والخبير بمجمع الفقه الدولي بجدة