حينما تحاصر السيول رجلاً في منزله، أو تحاصر عائلة داخل نفق وسط المدينة، أو موظفات وعاملات في بيئة العمل، أو حتى في الطريق إليها، فإن العتب والانتقاد حتماً سيطال البنية التحتية في البلاد، وتخطيط المدن، وتنفيذ الطرق، وفرق الدفاع المدني.. إلى آخره.
أما أن نصبَّ غضبنا على عدم قدرة فرق الدفاع على إنقاذ عشرات، وربما مئات المواطنين، الذين يخرجون إلى مهابط الأودية والشعاب، ويجلسون فيها مع أطفالهم دونما وعي بخطورة ذلك، وبالرغم من تحذيرات الدفاع المدني، فذلك أمر غير منطقي، لأنه لا بد من ارتفاع وعي المواطن بأهمية تلك التحذيرات، وأخذها بجدية، خاصة مع انتشار عشرات الصور التي كشفت محاصرة السيول للعديد من المواطنين.
كلما داهمت السيول بعض المواقع في البلاد، تذكرنا على الفور كارثة جدة، تلك التي كانت بالفعل مأساة وطنية، حزنت لها البلاد من أقصاها إلى أقصاها، وهي بالفعل تستحق غضب المواطنين، وغضب كتاب الرأي في الصحافة لدينا، بل وتستحق أن أرفع يدي بحزن وقلق، ماذا تم بشأن التحقيقات منذ أربع سنوات؟ خاصة أننا حتى الآن لم نعرف المتسبب بهذه الكارثة، إلا إذا كانت تم قيدها ضد مجهول، وهذا المجهول حتماً ليس هو المطر!
نحن -كمواطنين- بحاجة إلى الثقة بمجرى التحقيقات بشأن غرق جدة، ومن الصعب أن ننسى ما حدث، وأن ننسى هؤلاء الغرقى في الكارثة، إلا بعد إعلان أسماء المتسببين فيها، ودورهم في ذلك، بكل شفافية ووضوح، لأن ذلك سيجعلنا نتأكد أننا نحظى بعدالة في بلادنا، وسيعيد الحق لذوي الموتى، وكذلك سيكون إنذاراً وتحذيراً لكل من بيده القرار في إدارة شؤون المدن والقرى.
ولا يمكن، في المقابل، أن نبرئ ساحة الدفاع المدني، خاصة إذا كانت بعض الحالات في مناطق الشمال، بالذات في حائل، تم إنقاذها بواسطة مواطنين متبرعين، دفعهم حسهم الإنساني بالمغامرة وإنقاذ المحاصرين في الأودية، ومع ذلك كانت حالات الفضول والتجهمر في عمليات الإنقاذ قد تعيق عمل رجال الدفاع المدني، وهي أيضاً حالة ترتبط بوعي المواطن، الذي قد يدفعه فضوله أحياناً إلى إرباك عمل هؤلاء وتعطيلهم!
وكذلك تتحمل الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة جزءاً كبيراً من المسؤولية في التنبيه المستمر، عبر جميع وسائل الاتصال، وألا تكتفي بوسائل الإعلام التقليدي، وأن يشتمل تحذيرها على درجة الخطورة المحتملة عند الخروج من المنازل، وذلك عبر الدرجات المعروفة عالمياً، خاصة حينما تصل الحالة المتوقعة إلى الدرجة القصوى، كما يجب أن تشارك شركات الاتصال المختلفة التي تستنزف جيب المواطن طوال العام، وتستكثر رسالة واحدة لإنقاذ حياته.