من يقرأ عن فرقة الحشاشين وممارساتهم، ويُقارن تاريخهم بممارسات فرقة (الجهاديين) المعاصرين، أو القاعدة والفرق المتفرعة عنها، يكاد يجزم أن من (أفتى) بشرعية العمليات الانتحارية، أو كما يسمونها (الجهادية)، قد قرأ هذا التاريخ جيداً، وأعجب بثوريتهم، وفدائيتهم، فأراد أن يستنسخ هذه الفرقة الشيعية سنياً، وراح يبحث عن أدلة، ويتلمّس مبررات وأحداثاً من تاريخ أهل السنة؛ ليجعل الانتحار في النتيجة ضرباً من ضروب الجهاد كما كان يفعل الحشاشون.
من هم الحشاشون؟
هم فرقة من الفرق الباطنية الشيعية، أنشأها في نهايات القرن الخامس الهجري حسن بن على بن محمد الصباح الملقب بشيخ الجبل، وكانت قلعة (آلموت) في بلاد فارس تعتبر حصنهم الحصين، وانتقلت هذه الدعوة فيما بعد إلى بعض قرى بلاد الشام. وتسمية (الحشاشين) أطلقها عليهم خصومهم، بينما سموا أنفسهم (الإسماعيلية النزارية)، وهم في تنظيمهم الحركي ومبدأ (السمع والطاعة العمياء)، والعلاقات البينية والرأسية بين كوادرهم، أشبه ما يكونون بالتنظيمات الحركية الإسلاموية المعاصرة.
هذه الفرقة الباطنية اشتهرت بأنها تُربي عناصرها من الصغر على الطاعة العمياء للمعلم، وتنفيذ أوامره دون تفكير، وإتقان (التخفي) والتمويه، والعمل السري المنظم، واغتيال الخصوم السياسيين، والانتحار إذا لزم الأمر. وهم يبتعدون بمن يلحقونه بحركتهم عن أي تأثير خارج ما يُصب في ذهنه من مُعلمه وهو غض، فينشأ الغلام منذ نعومة أظفاره وهو يؤمن إيماناً لا يُخالجه شك أن (الحقيقة) المطلقة هي ما يقوله معلمه، وأن الطريق إلى الجنة والحور العين يمر من خلال شيخه، فيُنفّذ ما تُوكل إليه من عمليات فدائية واغتيالات سياسية دون تفكير، حتى وإن أمره بالانتحار وقتل النفس. وقد قامت حركة الحشاشين باغتيال ثمانين شخصية إسلامية قيادية سُنِّيَّة ما بين عالم وقائد عسكري. وقد كان نظام الملك وزير ملك شاه السلجوقي أول ضحاياهم. وهناك روايات متواترة عدة تؤكد أنهم حاولوا - أيضاً - اغتيال صلاح الدين الأيوبي وفشلوا.
والجنة والحور العين هي (الجائزة) التي يَعِد بها الحشاشون كوادرهم لتنفيذ عملياتهم كما تؤكد كل الدراسات التي تناولت ظاهرة الحشاشين بالدراسة. جاء في (المنتظم في تاريخ الملوك والأمم) لابن الجوزي أن ملك شاه السلجوقي أرسل إلى أميرهم رسولاً، وبينما كان الرسول عنده التفت إلى هؤلاء الشباب وقال لهم أمام الرسول: «أريد أن أنفذكم إلى مولاكم في قضاء حاجة فمن ينهض لها؟.. فاشرأبّ كل واحد منهم لذلك, وظن رسول السلطان أنها رسالة يحملها إياهم, فأومأ إلى شاب منهم, فقال له: اقتل نفسك، فجذب سكينة وضرب بها غَلصَمَتَه (الموضع الناتئ في الحلق) فخرَّ ميتاً, وقال للآخر: ارم نفسك من القلعة, فألقى نفسه فتمزق؛ ثم التفت إلى رسول السلطان فقال: أخبره أن عندي من هؤلاء عشرين ألفاً هذا حد طاعتهم لي, وهذا هو الجواب».
ومن يقرأ في أدبيات تاريخ اليسار العربي يجد أن أغلب اليساريين العرب كانوا معجبين بفرقة الحشاشين أشد الإعجاب لثوريتها وفدائية أعضائها؛ لذلك ليس من باب المصادفة أن أول عملية انتحارية على طريقة الحشاشين في عصرنا قامت بها فتاة لبنانية اسمها (سناء المحيدلي)، (شيوعية) وشيعية المذهب في 9 إبريل عام 1985م، فجَّرت نفسها في قافلة إسرائيلية في لبنان. ولعل من المضحكات - بالمناسبة - أن (بيان جبهة المقاومة الوطنية)، المنظمة اللبنانية الشيوعية التي تنتمي إليها المنتحرة المحيدلي، وصفت عمليتها آنذاك، ولأول مرة في التاريخ، بأنها (عملية استشهادية)؛ أي أن التسمية سابقة (شيوعية) ولا علاقة لها بالإسلام، ويبدو أن (العملية) قد راقت للمشايخ الحركيين (الثوريين)، فحاولوا تأصيلها، و(فبركتها) سنياً، ومساندتها بأدلة من التراث الموروث وإلحاقها تعسُّفاً بأهل السنة، ومع الزمن أصبحت بدعة (الشيوعيين الشيعة) هي ذروة سنام الإسلام!
وبعد: أليس التاريخ عندما يجري تزويره، والفقه حينما يتولى أصحاب الأهواء إدارة شؤونه، تتحول الحياة إلى مسرحية تُدار من خلف الكواليس؟.. هذا هو واقعنا مع ثقافة الانتحار والانتحاريين أيها السادة.
إلى اللقاء.