لن أسهب في الحديث عن إطلاق إحدى الشركات لخدمة التواصل الصوتي مع المشاهير - أسوة بأخواتها؛ من أجل المتاجرة بالفتاوى الشرعية، أو تقديم النصيحة غير المجانية؛ ولأنني لست من مدرسة الهدم، فإننا - من باب الإنصاف - بحاجة إلى الداعية، الذي إن تكلم تفجرت
ينابيع الحكمة من لسانه، وإذا أبان تفجرت ينابيع الحكمة من بيانه، يسير على هدى من الله؛ لتصبح أقواله وأعماله مطابقة للحكم الذي علمه، ومسايرة للفهم الذي آتاه الله إياه.
هدف هذه الشركات - الأول والأخير - هو الربح المادي. فهي تستغل هؤلاء الدعاة الجدد في التكسب باسم الدين، واستدراراً للعاطفة الدينية لدى الناس، وهذا ما يقتضيه - مع الأسف - آليات الترويج التجاري البحت. وقد فصّل - شيخ الإسلام - ابن تيمية - رحمه الله - القول في موضوع أخذ الأجرة على تعليم الدين في المسألة رقم (204 - 30) من مجموع الفتاوى، عندما سُئل عن: “جواز أخذ الأجرة على تعليم شيء من أحكام الدين؟”، فذهب إلى عدم الجواز، باعتبار: “أن هذا العمل عبادة لله - عز وجل - وإذا عُمل للعوض لم يبق عبادة، كالصناعات التي تُعمل بالأجرة”, ومن ثم: “لا يجوز إيقاعه على غير وجه العبادة لله، كما لا يجوز إيقاع الصلاة، والصوم، والقراءة على غير وجه العبادة لله، والاستئجار يخرجها عن ذلك”.
وقبل أيام، أوضح عضو هيئة كبار العلماء، وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء - الشيخ الدكتور - علي بن عباس الحكمي، رأيه في الخدمة، وبيَّن أن: “شبهة التكسب - من خلال - الإعلان، وإعطاء الفتوى، إن كانت فتوى، أو العلم بمقابل مادي، هذا ينبغي للداعية، أو طالب العلم، أن يترفع بنفسه عن هذا - باختصار -؛ لأنه أصبح، - والحالة هذه - لا فرق في الإعلان بين كل المشاركين، - سواء - من الدعاة، أو المشاهير الآخرين، من حيث إن المقصد الشهرة، أو الحصول على مكسب معين، وعملاء، والحصول على شيء مادي من ورائها”.
في عالم حافل بالتناقضات، قد يتساقط بعض الدعاة من حيث لا يشعرون، ممن لا يجمعهم سوى الدعوة العامة لقيم الإسلام، والالتزام بعبادته؛ نتيجة حظ دنيوي، أو مغنم مادي، يدفعه الإنسان العادي لمن باعه العلم، أو كلمات قد تكون من فضول الكلام عبر تلك الدعايات، في ظل غيبة رقابة الضمير، وعلماء الدين. مع أن اختيار الله لمن يحمل دعوته تكريم، وتشريف، ومنّ، وعطاء، فانتشر هذا الدين من قبل رجال - صدقوا ما عاهدوا الله عليه -، دون أجر مادي مباشر، وإنما يرجون من عملهم الأجر من الله - سبحانه وتعالى.
أحب أن أصارحكم أيها الدعاة الجدد، أن جمهور الناس أدركت مرامي تلك الأنشطة التجارية، وأخشى أن تلقوا منهم خصومة شديدة، وعداوة قاسية بعد أن تسولتم؛ من أجل كسب جمهوركم على حساب الدين، والعقل، واحترام رغبات الناس. فالدعوة إلى الله من أشرف المقامات، وأعلى المنازل، فإن توفر معه العلم، وجب التزام العمل؛ حتى يستعمله الله قبل أن يستبدله. وإن مما أورده - الإمام - مسلم - رحمه الله - في مقدمة الصحيح عن محمد بن سيرين، قال: “إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم”.
drsasq@gmail.comباحث في السياسة الشرعية