القلق مرض نفسي يُفقد الإنسان شعوره بأهم شيء في حياته ألا وهو الأمن النفسي بالتالي نرى شخصية تتصف بصفاتٍ قوامها الشعور بالخوف والخطر والتهديد، وبأن الحياة والعالم مكان خطير مظلم فيه عداء وتحد، فيغلب على هذا الإنسان سوء الظن حيث يرى الآخرين خطرين وعدوانيين، كذلك تنتابه مشاعر الحسد والغيرة،
بجانب أنه متشائم يتوقع حدوث الأسوأ، بالتالي يشعر بعدم السعادة والرضا، فتسيطر عليه مشاعر التوتر الانفعالي ولا يعرف للأمن النفسي دربا أو طريقا فيصعب عليه بالتالي تحقيق ذاته في جو سلبي الملامح.
قال وليام جيمس أحد علماء النفس والفلاسفة الأمريكيين: (إن أعظم علاج للقلق ولا شك هو الإيمان «وقال أيضاً « الإيمان من القوى التي لابد من توافرها لمعاونة المرء على العيش، وفقده نذير بالعجز عن معاناة الحياة)، وقال أيضاً: (إن بيننا وبين الله رابطة لا تنفصم فإذا نحن أخضعنا أنفسنا لإشرافه تحققت كل أمنياتنا وآمالنا» وقال: إن أمواج المحيط المصطحبة المتقلبة لا تعكر قط هدوء القاع العميق ولا تقلق أمنه، وكذلك المرء الذي عمق إيمانه بالله خليق بأن لا تعكر طمأنينته التقلبات السطحية المؤقتة فالرجل المتدين حقاً عصي على القلق). فالإيمان يزيد من ثقة الإنسان بنفسه، يزيد من قدرته على الصبر وتحمل مشاق الحياة، يبعث الأمن والطمأنينة في النفس، ويغمر الإنسان الشعور بالسعادة، بينما القلق نتاج انعدام الشعور بالأمن النفسي المفهوم الذي يتداخل في مؤشراته مع مفاهيم أخرى مثل الطمأنينة الانفعالية، الأمن الذاتي، التكيف الذاتي، الرضا عن الذات، مفهوم الذات الإيجابي، التوازن الانفعالي ومفاهيم عدة تحقق الطمأنينة نظراً لتمتع الأمن النفسي بثراء في المعنى حيث تكفّل علماء التربية وعلم النفس وكتابها بتعريفات عدة له منهم من انتهى إلى أنها حالة يحس فيها الإنسان بالسلامة والأمان وعدم التخوّف والإشفاق على المستقبل متى ما أشبع الحاجات وأرضاها.
وقد عرّف «ماسلو» الأمن النفسي بأنه «شعور الفرد بأنه: محبوب متقبل من الآخرين له مكانه بينهم، يدرك أن بيئته صديقة ودودة غير محبطة يشعر فيها بندرة الخطر والتهديد والقلق الذي ينظر إليه «سوليفان» على أنه أحد المحركات الأولية في حياة الفرد.
وبالنسبة للقرآن فقد تحدث عن نوعين من الأمن: الأمن على مستوى الفرد ويقصد به الأمن النفسي، والأمن على مستوى الجماعة أو الأمة. ففي دولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية تحدث جريمة قتل كل 43 دقيقة واغتصاب كل 19 دقيقة وسرقة كل دقيقتين أما السطو على المنازل فجريمة كل 20 ثانية وعلى السيارات كل 48 دقيقة والرقم المفزع اختطاف رجل كل 20 ثانية، في هكذا دولة هل يمكن للأمن أن يتحقق للفرد وللجماعة ومرتكب الجريمة «في الغالب» ارتكبها جراء القلق وانعدام الشعور بالأمن، بينما الفرد المسالم يغالب القلق وفقدان الأمن النفسي خشية أن يكون هو أو أهله وبيته الضحية التالية من ضحايا أولئك المجرمين!!، قال تعالى: {الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ} (4) سورة قريش، وقال سبحانه: {وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ} (112) سورة النحل!!.
في ظل الحروب والكوارث والأزمات الاقتصادية وانتشار البطالة والخوف من المستقبل هل يمكن لهذا الأمن أن يتمدد أو يحتل له مكانة رحبة في داخل الفرد والمجتمع، وقد ترتب عليها تسرب القلق إلى الأطفال وغياب معنى الهدف في الحياة ومن الحياة وقد ذكر «أبراهام ماسلو» Maslow عالم النفسي الأمريكي أن الإنسان يولد وهو محفز لتحقيق احتياجات أساسية في شكل هرمي بدءاً بالحاجات الفسيولوجية كالجوع والعطش، مروراً باحتياجات الأمن والسلامة ثم احتياجات الانتماء والتقبل من المجموعة، وصولاً إلى احتياجات اعتبار واحترام الذات في قمة الهرم. وبعد تحقيق كل هذه الحاجات يجاهد الإنسان لتحقيق ذاته ليصل إلى أسمى مراحل الاكتفاء الذاتي والسلام مع نفسه» فكيف سيكون الإنسان عندما لا يحقق الذي من أجله ولد!!
بجانب رؤية ماسلو هناك رؤية أو نظرية أخرى لعالم النفس «أدلر» نظرية في التحليل النفسي Adler يرى أن عدم شعور الفرد بالأمن والطمأنينة ينشأ نتيجة للشعور بالدونية والتحقير الذي ينشأ منذ الولادة نتيجة لمشاعر القصور العضوي أو المعنوي؛ مما يدفعه إلى القيام بتعويض ذلك القصور إيجابياً ببذل المزيد من الجهد من أجل الوصول إلى أعلى طموح) أو سلبياً (باتخاذ أنماط سلوكية تأخذ أشكالاً من العنف والتطرف الذي لا يقبله المجتمع مما يزيد من حدة القلق لديه وتعرف هذه الظاهرة بالتعويض النفسي الزائد» ونظريات كثيرة لعلماء النفس هاجسها الإنسان وأمنه النفسي واستقراره وأمانه تهدف إلى حمايته من الانفعالات الشديدة، أو عدم فهمه لذاته والتقدير السالب لها أو معاناته من صراع الأدوار إذا ما عرفنا أن الحرمان من الأمن يختلف تأثيره على الصحة النفسية من فرد لآخر ومن مرحلة عمرية إلى أخرى، فانعدام الأمن في مرحلة الرشد أخف منها في مرحلة الطفولة ذلك لأن تأثيرها السلبي في مرحلة الرشد مؤقتة تزول بزوال الأسباب وتوفر الأمن بينما في مرحلة الطفولة يعيق النمو النفسي ويكون تأثيرها السلبي السيئ على صحته النفسية في جميع مراحل حياته جراء عدم إشباع حاجات الطفل الضرورية التي لا يمكنه ضعفه من إشباعها فيكبر وهو غير مهتدٍ، ضال وبلا أمن!!.
bela.tardd@gmail.com -- -- p.o.Box: 10919 - dammam31443Twitter: @HudALMoajil