«لماذا بولندا» سألت سارة البسام - طالبة الطب السعودية في وارسو.، حضرت سارة بناء على طلب من السفير وليد رضوان مع ثمانية من زملائها وزميلاتها الذين يدرسون في كليات الطب والعلوم هناك للقاء.....
مع الوفد الإعلامي السعودي الذي ضمني مع الزملاء الأعزاء سعد محمد الشهري من الجزيرة، وبدر القحطاني من الشرق الأوسط، في غرفة الاجتماعات بالسفارة السعودية.
استند سؤالي على حقيقة أن البولندية هي لغة المحلية تعتبر رابع أصعب لغة في العالم، مباشرة بعد العربية. وعلى عكس العربية، فإنه لا يوجد لها أي استخدام خارج بولندا. كما أن جامعاتها لا تحظى بشهرة مثيلاتها في الدول الكبرى.
كانت سارة بليغة في إجابتها، قالت: «لم أختر هذه البلد لجمالها الطبيعي ومدنها العريقة، فقط، فجارتها ألمانيا عندها نفس المزايا، بالإضافة إلى أن لغتها وشهرتها أكثر عالمية. ولكن بعد الكثير من البحث، لاحظت أن عددا كبيرا من الطلاب الأوروبيين والألمان اختاروا الجامعات البولندية، خاصة في مجال الطب والعلوم والتكنولوجيا. وهم محقون في ذلك. هل تعلم أن جامعة جاجيلونيان بمدينة كراكوف تأسست عام 1364 كثاني أقدم جامعة في أوروبا الوسطى وواحدة من أقدم الجامعات في العالم؟ أما بالنسبة للغة، فقد اختار طلابنا مسار الدراسة بالإنجليزية، ولا نحتاج البولندية إلا في اتصالاتنا اليومية خارج الجامعة.
كما وضعت في اعتباري أن بولندا من بين الدول الأوروبية الأكثر محافظة واهتماما بالأسرة. وبعد ثلاث سنوات دراسية، وبرغم برودة الطقس والصعوبات المعتادة لفتاة عربية مسلم في بلد أوروبي، أحسب أني أحسنت الاختيار».
سارة واحدة من 800 طالبة وطالب اختاروا بولندا، وينتشر البقية في جميع أنحاء العالم للدراسة في أفضل جامعاتها وتحقيق الاستفادة القصوى من برنامج الملك عبدالله للابتعاث، عشرات الألوف منهم في الولايات المتحدة وحدها.
«ليس البحث عن التعليم الجيد وحده ما يحفز برنامج الابتعاث»، علق السفير الرضوان. «كان بإمكاننا دعوة هذه الجامعات لإقامة كليات ومعاهد هنا، كما فعلت بعض الدول الشقيقة. وهي فكرة جيدة، لكنها لا توفر لأبنائنا الخبرة المكتسبة من الحياة في دول تختلف عنا في ثقافتها وطبائعها، والتعامل والتفاعل مع مجتمعاتها بشخصية الإنسان العربي المسلم، وطبيعة المواطن السعودي وأخلاقياته. فالتحديات التي يواجهونها، والانتصارات التي يحققونها، وحتى الأخطاء التي يرتكبونها ويتعلمون منها مهمة لبناء شخصياتهم. فهم يتعلمون التوفيق بين الاعتزاز بالثقافة والولاء للدين والوطن، مع القدرة على التعامل والتعاون مع الآخر بروح التسامح والانفتاح والتعايش بانسجام وسلام، في عالم أصبح قرية واحدة.»
أحسنت أيها السفير! عندما عدت من الولايات المتحدة الأمريكية أحمل شهادة الدكتوراه في الصحافة والإعلام، لم أكن نفس الشخص الذي ذهب إليها. لم يكن مجرد التعليم الجيد، ولكن التجربة برمتها التي غيرتني-- آمل إلى إنسان أفضل. إنسان لا يحمل أي ضغينة ضد الآخرين لاختلاف الشكل والتفكير والاعتقاد. إنسان يقيّم الناس حسب صفاتهم وأسلوب معاملتهم، بغض النظر عن العرق والدين والجنس وأسلوب الحياة. إنسان يتعاون مع أولئك الذين يشاركوننا القيم الأساسية للإنسانية لجعل حياتنا على الأرض تجربة أفضل. إنسان يؤمن أننا جميعا - البشر والحيوانات والنباتات والأشياء - خلق الله وعياله. فـ(الخلق عيال الله)، كما قال عليه أفضل الصلاة والتسليم.
ليس فقط لأنني عشت في الولايات المتحدة، ولكن بسبب هذه المعتقدات والقيم كنت مع مئات الآلاف من طلابنا في الخارج أصاب بالصدمة والاشمئزاز عقب كل دعوة إلى الكراهية أو أحداث عنف وإرهاب ضد الآخر المختلف. فقد تأكدنا نتيجة إقامتنا هناك وتعاملنا مع الآخرين أن الخير والطيبة والإنسانية قيم وطباع لا ترتبط بهوية أو فئة. وما أحزننا وأقلقنا بعد تفجيرات ماراثون بوسطن لا يختلف عن شعورنا بعد تفجير المبنى الفيدرالي في أوكلاهوما، أو بعد تفجيرات الرياض والخبر في التسعينات الميلادية من القرن الماضي، ثم أحداث سبتمبر 2001م وما تبعها من أفعال وردود أفعال عدوانية من كل الأطراف.
كل سبب للكراهية بين الأمم يؤدي إلى الصراع. وهذا، بدوره يزيد من معدلات الخلل في التنمية والتقدم العالمي. فبدلا من علاج الأمراض، ومكافحة الفقر، والجريمة، والبطالة وأمراض العالم الأخرى، إضافة إلى عمارة الأرض كما أمرنا الله، وكما نتوقع من الخريجين الجدد، وجدنا أن طموحاتنا ومبادراتنا تعوقها الصراعات وتصادم الحضارات.
دعاة الكراهية وصناع الصراع يستهدفون الجهلة، والعزلة تصنع الجهل. ولذلك يحارب صناع الكراهية ودعاة الفتنة فكرة أن نرى العالم بأعيننا، ويقفون ضد كل مبادرة تعطي الفرصة لنا لنتعرف على غيرنا، ونكتشف إلى أي مدى يتشابه الناس ويتفقون.
حظا سعيدا لسفرائنا الشباب، سارة وزملائها، وبالتوفيق في دراستهم وثقافتهم ووعيهم. مستقبلنا ينتظركم!
kbatarfi@gmail.com