مثلما تختلف أفق الرؤية عند اللاعب وسط الملعب.. ونظرة الجمهور التي تكون أشمل لأنها أوسع بكثير.. مع اختلاف وضعية المشجع المتحمس عن وضع الفريق القلق والمحصور بين الخصم وبوابة الهدف وحماية مرماه.. فمن منهم أكثر قدرة على تحديد مواطن الضعف والقوة؟ بالطبع كلاهما.. سأخبرك كيف ذلك:
ما يحدث هناك لا يختلف كثيراً عن اختلافنا في فهم الأمور.. فكل مخلوق له زاوية معينة ينظر من خلالها ويقيم وينقد ويقبل ويرفض.. وكلها قابلة لأن تكون صح وخطأ في ذات اللحظة.. حسب ما يسمح به مجال الاطلاع.. وامتلاك المعلومة والحجة والبرهان لدى كل واحد فينا.. ومن هنا كان احترام الرأي الآخر من الحكمة والذكاء.. وإن بدا لنا أنه خطأ فادح.. فوجهة نظر صاحبها قد تقلب الأمور وتزلزل ما كنا نؤمن أنه من الثبات بحيث نعده قاعدة تحمل سمة التقديس.
قدرتك على استماع الرأي المخالف بإنصات مبدأه الفهم.. وهدفه الحقيقة يحمل نصف العبقرية.. أما النصف الآخر فهو موضوعنا الأهم.
في أغلب المجالس الحوارية.. وحتى بين الإنسان وذاته في حديثه الصامت والمتأمل.. نركز على الإجابة وكيف ستكون.. كأن مهمة الإقناع هي الطاولة التي تدور عليها رحى الأفكار بين منتصر ومهزوم..وننسى أهمية الأسئلة ونوعها.. وتوجهها.. عمقها وسطحيتها.. وربما لا نلاحظها ولا نسمعها جيداً.. لأننا مستعجلين على الإجابات وكيف تبدو.
للسؤال أبعاد دقيقة تقودنا لعقل المتحدث مباشرة.. تعطينا تقريراً مفصلاً عما يراد منا.. وتقريراً آخر أكثر تفصيلاً عن محدثنا.. كيف يفكر وبماذا يهتم.. ومن يكون.. ومستوى ثقافته.. ومدى فهمه لما يقوله.
فالوقت المستقطع للإجابات المخزنة في العقل أطول بكثير من اللحظات التي يقال فيها السؤال.. لذا فهو أكثر تلقائية وصدقاً من الإجابة نفسها.
ركز على أسئلة ابنك.. شريكك.. مديرك.. وكل من يهمك أمره.. أجزم أنك سترى أموراً لم تنتبه لها.. كان من الممكن أن تختصر بينكم مسافات من الفهم والمشاعر والقطيعة.
جرب أن تلعبها في حوار ما.. وعندما تلمس النتيجة فأنا أطالبك بابتسامة عريضة.
amal.f33@hotmail.com