حديث وزارة الإسكان أنها ستقوم بمنح أرض وقرض رفع سقف تطلعات المواطنين بشكل كبير، فمن كان يطمح في الحصول على قرض ويجده بعيد المنال، يقال له الآن سنقوم بدلاً من ذلك بمنحك أرضا وقرضا، وهو ما يظهر صعوبة تنفيذ مثل هذا الاقتراح، فإن كانت الوزارة تجد صعوبة في تحقيق تطلعات أقل، فلن يكون الحل في رفع سقف هذه التطلعات.
والحقيقة أن هناك عقبتين رئيستين ستقفان عائقاً أمام تنفيذ هذا الالتزام. أولاهما: أنه حل بعيد المدى لمشكلة آنية مستعجلة، حيث يتطلب الأمر توفر أراض حكومية في مواقع مناسبة وبأحجام كافية، وهذا غير ممكن في ظل الملكيات الخاصة. ثم إنه حتى لو افترضنا حصول وزارة الإسكان على أراض مناسبة فإن الأمر سيتطلب أولاً تطويرها وإيصال الخدمات إليها ثم إتمام عملية البناء، وكلها مهام ستوكل لوزارة لم تستطع تنفيذ مهام أقل من هذا بكثير، فمشروعاتها الإسكانية رغم توفير الدولة لها 250 مليار ريال قبل أكثر من عامين فهي لا تزال متعثرة، وهناك رداءة في التنفيذ تجعل حتى ما نفذ منها غير مناسب.
الثانية والأخطر: أنه حل مكلف جداً، كونه يضع كامل مسئولية حل مشكلة الإسكان على عاتق الدولة وحدها، حيث سيكون من الضروري قيام الدولة ببناء ملايين الوحدات السكنية لكي تحل المشكلة فعلا، وهذه مهمة مستحيلة ومكلفة جداً، بحيث إن ما سينفذ فعلاً سيكون أقل من أن يحدث حتى انفراج محدود في ازمة السكن المتفاقمة، وبالتالي فأي حل حقيقي يتطلب ان تكون هناك مشاركة اكبر من المواطنين في حل هذه المشكلة.
لذا فإن الحل الحقيقي يجب ان يحمل في ثناياه تخفيف وحد لما يلزم على الدولة القيام به ضمن حل شامل لمشكلة الإسكان في المملكة، وذلك بجعل شريحة واسعة من أفراد المجتمع قادرة على تولي مسئولية تأمين سكن لها بنفسها دون دعم الدولة، أو بدعم لا يتجاوز قرض صندوق التنمية العقارية، فيما تتحمل الدولة مسئولية تأمين سكن للشريحة المتبقية في المجتمع.
وإذا أخذنا في الاعتبار أن شريحة واسعة من أفراد المجتمع ستكون قادرة على تأمين سكن لها بنفسها ويعوقها عن تحقيق ذلك فقط غلاء الاراضي الفاحش وغير المبرر، فإن مفتاح الحل الحقيقي هو في حل مشكلة غلاء الأراضي وليس في حل مشكلة الإسكان.
وفي ظل التقديرات التي تتحدث عن أن ما يزيد على 70% من النطاق العمراني لمدننا أراض بيضاء محتكرة ومحجوبة عن السوق، فإن أي حل لا يدفع سريعاً بهذه الكميات الهائلة إلى السوق، ويدفع بها اليوم وليس غداً، فإنه حل طموح لكنه غير واقعي، ويُحمل الدولة مسئوليات لن تقدر على القيام بها.
بينما لو أجبر محتكرو الأراضي على بيعها، بسبب ارتفاع تكلفة احتكارها وحجبها، من خلال رسوم مكلفة يبدأ تطبيقها عليهم اليوم وليس بعد إعطائهم مهلة اربع أو خمس سنوات، لتراجعت أسعار الأراضي بشكل هائل، ولأصبح معظم أفراد المجتمع قادرين على حل مشكلتهم السكنية بأنفسهم وليسو في حاجة إلى مساعدة الدولة، عندها فقط ستكون مسئولية الدولة المباشرة في حل مشكلتنا الإسكانية اكثر واقعية وفي نطاق المقدور عليه.
alsultan11@gmail.comأكاديمي وكاتب اقتصادي *** on twitter @alsultanam