ثمة اتجاه قوي لبناء مؤشرات علمية دقيقة محكمة لاستطلاعات الرأي العام . هذا الاتجاه يقوده مؤسسات، أو منظمات دولية سواء كانت رسمية، أو تابعة لمؤسسات المجتمع المدني. هذه الاستطلاعات -رغم ما يعتري نتائجها من قصور وتحيز- إلا أنها جعلت لقياس أداء الأجهزة المتماثلة في المهام والأهداف والاختصاصات في كل دولة، قد تكون عالمية،
وقد تكون قطرية، أو لاتحاد معين. وهي بالفعل تعطي مؤشرا لتعاطي الدول، ومدى استعداها للاندماج مع الدول نحو العولمة التي هي هدف كبير للدول الحضارية. ومن المتفق عليه أن النتائج باتت تشكل ضغطا لا يستهان به على المؤسسات والهيئات الحكومية، بل وعلى الحكومات أمام شعوبها التي تتطلع إلى التقدم والتطور ومجاراة الأمم والشعوب في منجزاتها .
على المستوى المحلي، بدأت بعض مؤسساتنا الحكومية، وحتى مؤسسات القطاع الخاص، ذات الأهداف الربحية تولي الخدمات العامة المقدمة للمواطنين أهمية كبيرة، فبدأت بوضع بعض المحاور التي تقيس مستوى الخدمة، وتستشف بطريقة أو أخرى نبش الشارع، وأعتقد أنه سبق جيد في هذا المضمار، إذ يساعد المؤسسات على مراجعة أدائها من جهة، وتشعر المواطن بأهمية شراكته الاستراتيجية مع هذه القطاعات في صياغة الأهداف والرؤى والتوجهات والخطط من جهة أخرى، بل من شأن ذلك أن يغرس في وجدانه الشعور بالانتماء الحقيقي لمؤسسات بلده والغيرة عليها، لكي يسهم في الحفظ على كيانها وجودة مخرجاتها.
ليس لدي إلمام بالمؤسسات التي تبنت، أو بادرت في بناء هذه المؤشرات الاستطلاعية بالداخل، لكن مع بالغ الأسف نجد أن بعض المؤسسات، ومع أن هدفها الأساسي هو القياس، على أي صورة كانت، أو بأي طريقة تؤدى إلا أنها لا تقوى على نشر نتائج بعض الدراسات المقارنة بشكل كبير أمام وسائل الإعلام، أو الرأي العام، ومن ذلك (مركز القياس والتقويم)، إذ يمتلك قاعدة معلومات وبرامج إحصائية متطورة ودقيقة، للمقارنة على سبيل المثال نتائج اختبار (القدرات والقياس) بين إدارات التعليم، أو بين نتائج التعليم الأهلي والحكومي، وهو تحفظ قد يكون من أسبابه عدم الثقة في سلامة بناء المؤشرات بشكل علمي، وربما لأسباب أخرى تغيب عنا، وفي مقابل ذلك تطالعنا بين الحين والآخر نتائج تنشرها بعض وسائل الإعلام عن بعض القطاعات في (وزارة التربية والتعليم)، تظهر مدى التباين في أداء الإدارات تجاه مسار محدد. وقد تكون هذه المبادرات، نتيجة لبعض المؤشرات العالمية التي دأبت على تقييم مستوى التعليم بين الدول، فيما يسمى بالاختبارات الدولية، التي تعنى بتقييم مهارات ومعارف الطلاب في تخصصات معينة.
إذا تجاوزنا المؤشرات الداخلية وقمنا بجولة سريعة على بعض المؤشرات نجد أن المملكة العربية السعودية تحتل المركز (31) على مستوى العالم من حيث التطور واستخدام التكنلوجيا والاتصالات، وتحقق المركز (12) على المستوى العالمي في جودة الطرق وسلامتها، وتقفز إلى المركز (16) عالميا كأفضل بيئة استثمارية، والمركز (12) على المستوى الدولي من حيث نمو الناتج المحلي، ونالت السعودية المركز (15) بين قائمة الدول الأفضل تجاريا على صعيد الصادرات، وتتبوأ المركز (22) من ضمن قائمة الشعوب العالمية الأكثر سعادة. وتنال المركز (10) عالميا على مستوى دول العشرين في مجال مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، كما تحقق الخطوط السعودية المركز (9) كأكثر شركات طيران العالم انضباطا في مواعيد الرحلات، بينما تقف في المركز (7) عالميا في انتشار مرض السكر. بينما تحتل المركز (3) في الكسل على مستوى الشعوب العالمية.
هذه المؤشرات العالمية على تباينها، واختلاف أهدافها، هي في الحقيقة فرصة كبيرة لصناع القرار في الدولة، لجعلها إحدى محكات التقييم للقائمين على الجهاز، آخذين في الاعتبار أن بعض محاورها قد لا تتفق مع قيم بعض الدول، أو توجهاتها الثقافية، أو البعد المؤسسي لها، لكن على أيّة حال هو اتجاه جدير بالتبني والاهتمام، وكم كنت أتمنى أن يكون لدينا جهاز مستقل، يهدف إلى جمع مثل هذه المؤشرات جميعا، وتحليلها وطرحها للرأي العام، وهي مهمة أقرب ما تكون في نظري لوزارة الاقتصاد والتخطيط.
dr_alawees@hotmail.com