في التسعينات الهجرية عام1399هـ أي في اليوم الثالث من مايو عام1979م دخلت مارغريت تاتشر10دوانينج ستريت مقر الحكومة البريطانية لتكون رئيسة لها, بعد مضي بضعة شهور معدودة قد تنقص أو تزيد, دخلت «صحيفة الجزيرة» مقر الحكومة البريطانية, وقابلت أول امرأة رئيسة للوزارة البريطانية, وكان لهذا اللقاء الذي أجرته «صحيفة الجزيرة» مع مس تاتشر أهمية بالغة في الحدث البريطاني، فلم يكن ذلك معهودا في السياسة البريطانية أن تتقلد مهام رئاسة الوزارة البريطانية امرأة.
بعدما فازت بمقعد رئاسة الوزارة بجميع الأصوات الداعمة لها من قبل حزب المحافظين العتيق التي كانت زعيمة له.. فكانت أول امرأة في بريطانيا تكون رئيسة لمجلس وزرائها.
وهو الشيء الذي لم يحدث من قبل لا في بريطانيا ولا أوربا, لذلك كانت الصحيفة الجزيرة سباقة في تناول هذا الحدث الكبير في عاصمة الضباب, فقد أبدع الأستاذ الزميل عثمان العمير مدير مكتب صحيفة الجزيرة بلندن, في تناوله لمجمل القضايا الدولية والعربية بشكل خاص, وطرحها بين يديها فأجابت عليها يومها بوضوح صريح, لا أتذكر محور الحديث, بقدر ما اذكر أهميته يومها..لكونه أول حديث مع رئيسة وزراء بريطانيا لصحيفة عربية, الأمر الذي تناقلت عدة صحف عربية وعالمية مقتطفات منه, هذا من ناحية، من ناحية أخرى لكونه أيضا أول حديث صحفي لأول امرأة ترأس وزارة في القارة الأوربية,
مارغريت تاتشر من مدينة غرانتام في انكلترا، درست المحاماة ونالت إجازتها عام1951م وانضمت لحزب المحافظين عام 1959م.
فعينت بمجلس العموم نائبة عن فيشنلي شمال لندن ثم تولت وزارة التربية عام 1970-1974م ثم تولت رئاسة حزب المحافظين عام 1975م ثم بعد مضي أربعة سنوات هزمت حزب العمال فتولت مقاليد رئاسة وزراء بريطانيا من عام 1979م حتى يوم 22فبراير 1990م.
وعندما تولت رئاسة وزراء بريطانيا ..غيرت وجه المملكة المتحدة فاعتمدت الليبرالية الاقتصادية، ونظمت نقابات العمال ثم دخلت حرب الفوكلاند عام 1982م وانتصرت، فأعادت الهيبة الدولية لبريطانيا, تأنس لذكرى مجدها الغابر لمقولة الدولة العظمى.. أو هو ذلك الاسم القديم الإمبراطورية التي لم تغرب عنها شمسها, وان كنت لا أحبذ هذا الاسم لما يحمله من صفة وصبغة استعمارية بغيضة في سالف الزمان..
مس تاتشر. الاسم المختصر والفريد من نوعه وعظمته, كانت صاحبة كاريزما وحنكة ودهاء سياسي وقوة جبارة لا يستهان بها, أطلق عليها لقب - المرأة الحديدية- بل هي المرأة المتعددة الألقاب. ففي أثناء حكمها استطاعت مارغريت تاتشر أن تفعل روابط علاقات بلدها الدولية مع أمريكا وأوربا ودول العالم الآخر ذات المنافع والمصالح المشتركة, مس تاتشر حافظت على رباطة جأشها في طريقة تعاملها مع من كان ينتقدها ويوجه اللوم إليها بسبب تصلبها و ممانعتها من توحيد العملة الأوربية، وان كانت بريطانيا عضوا في الاتحاد الأوربي إلا أنها أبقت عملتها على حياد, رغم انفتاحها على أوربا فيما تمثله من رأسمالية بزخم اتحادها الأوربي.
وللبارونة مارغريت تاتشر مواقفها الصلبة في محاربة الشيوعية وتفكيك النظام الاستعماري في إفريقيا, وقد دعمت المناضل نيلسون ماندلا في سجنه, حتى خروجه وفوزه بالانتخابات كرئيس لبلاده.. كما يعود لها الفضل الكبير في تحرير أوربا وأوربا الشرقية من الشيوعية, مما جعل لسياستها دور مرموق في أمريكا وأوربا وقد قيل عن سياسته بالسياسة الشامخة التي لا تعرف المحاباة والمداهنة, أعجب بسياسته القوية و المنضبة رونالد ريغان و بوش الأب و ميخائيل جورباتشوف الذي حضته على التخلي عن الشيوعية, مما حدا به في انتهاج سياسية {البرسترويكا} ولعبت دورا مهما في السياسة البريطانية حيث شمل عهدها انتهاج سياسة الرأسمالية الحرة والاقتصاد الحر, وكانت تتمتع بعلاقات جيدة مع الملوك والرؤساء العرب من بينهم الملك فهد بن عبدالعزيز وقد أشادت به كثيرا وبالسياسة السعودية الحكيمة إبان وقوف السعودية التاريخي في تحرير الكويت..
ومن أقوالها المأثورة:
- أحب النقاش أحب تداول الأمور ولا أتوقع إن يجلس الجميع ويتفق معي. هذه ليست وظيفتهم.
- لا أمانع أن يتحدث وزرائي كثيرا طالما ينفذون ما أطلبه منهم.
- لست سياسة إجماع أنا سياسة أقناع.
مارغريت تاتشر هي المرأة الوحيدة و الرقم الخامس عشر في المجموعة التي تولت رئاسة حزب المحافظين، ليأتي خليفتها الرقم السادس عشر والأخير في هذه المجموعة من حزب المحافظين هو السيد - ديفيد كامرون الذي تولى مهام منصبه في 11 مايو 2010 رئيسا للوزارة البريطانية
في صبيحة يوم الاثنين الثامن من أبريل الحالي 2013م قال اللورد تيم بل, المتحدث الرسمي باسم البارونة تاتشر, قال في بيان مقتضب {ببالغ الحزن يعلن مارك وكارول تاتشر أن أمهما البارونة تاتشر توفيت بسلام هذا الصباح إثر جلطة دماغية} وتقديرا لهذه المرأة العصامية التي خدمت وطنها وشعبها كزعيمة للوزارة, نكس العلم البريطاني فوق قصر باكنغهام مقر الحكمة البريطانية 10 دواننغ ستريت, فهي تعتبر من أبرز السياسيين في القرن العشرين, وقد كرمتها عشية تقاعدها ملكة بريطانيا الملكة إليزبيث بمنحها لقب البارونة فكانت عضوا بمجلس اللوردات في عام 1992م.حتى يوم وفاتها, وبوفاة مارغريت تاتشر, لن يسدل الستار عن قصة حياتها التي روتها في مذكراتها, وستبقى مارغريت تاتشر أسطورة القرن العشرين وسيأتي على ذكرها المؤرخون في كل زمان ومكان. يالها من زعيمة سياسية عظيمة صنعت مجدها كامرأة تولت زعامة حزب المحافظين وزعيمة لوزارة دولة بريطانيا العظمى طيلة أحد عشر عاما كانت المرأة الحديدية البارونة مارغريت تاتشر حديث الإعلام العالمي والعربي, حتى يوم أمس القريب وقد فارقت الحياة!!
bushait.m.h.l@hotmail.com