في الفترة الماضية ملأ أفق الحوار الجمعي تواتر التعليقات الساخنة حول اقتراح شركة أو هيئة الاتصالات منع وسائل التواصل المجانية كالواتس آب, والسكايب, والتانجو، والفايبر. آلاف إن لم يكن ملايين المستخدمين لها محليا تعالت أصداء تعليقاتهم بالرفض والغضب والاستنكار.
فعلا اعتدنا واستمرأنا الفضاء المفتوح كالفيسبوك وتويتر وكل ما استجد في ساحة الحوار المباشر. وسنشعر لو حرمنا منه ما يشعر الطير المكمم.
ومبهج طبعا أن لا يكلفك الحوار مع أحبائك عبر القارات والمحيطات فلسا أو قرشا واحدا. والأجمل أن يرافق الحوار بث مرئي ترى فيه وجوههم الحبيبة وتطمئن عليهم فوريا.
لا أحد يسأل نفسه: لماذا تقدم لي أي جهة خدماتها المكلفة دون مقابل؟ بل يتساءل الناس لماذا تريد أي جهة أن توقف الخدمة المجانية؟
وتداعيا مع قلق أبناء المجتمع حول هذه المسألة، في إحدى جلسات الشورى مؤخرا تقدم أحد أعضاء المجلس معترضا على قرار منع وسائل الاتصال المجانية.. ونوقش القرار وحيثياته وتداعياته.. وصوِّت عليه.. وكما هو المتوقع الطبيعي: جاءت الغالبية ضد التوصية بقبوله.
في النهاية أعضاء المجلس مواطنون غيورون وحريصون يؤمنون بالفضاء المفتوح بشروط تمنع الضرر والضِرار.
لست شخصيا من المغرمين بالتواصل 24 ساعة في اليوم، ولهذا فمسألة أن يكون التواصل مجانيا أو بمقابل ليس ما يشغل فكري كثيرا, ولكني مثل الكثيرين أؤمن أن ليس من حق أحد منع مجانية خدمات يرغب أن يقدمها أي طرف لطرف آخر لأسبابه الخاصة طالما هي ليست خدمات مثبتة الضرر أو جنائية القصد.
ولأن «الاتصالات» لا تملك إثباتا بأن الخدمات المجانية مشبوهة القصد فربما اعتمد طلبها منع وسائل الاتصال المجانية الاتكاء على مسبب الإضرار بها بالذات حيث وسائل التواصل الدولية المجانية «تحرمها من المردود المادي المتوقع من هذا التواصل لو لم تتوفر الخدمة المجانية»!
بالتأكيد الجميع في كل أنحاء العالم يستمتعون ويفرحون بمجانية خدمات التواصل الدولي. وهناك عندنا عدد هائل من الأسر يحتاجونها فعلا, خاصة في تناثر وتباعد أعضاء الأسرة في وظائف بمدن متباعدة في وطننا الشاسع, ووجود مئات الآلاف من أبنائنا مبتعثين إلى الجامعات في كل أصقاع الأرض. التحاور معهم ورؤيتهم في تواصل مباشر على «سكايب» وأمثالها من الخدمات تطمئن قلوب الآباء والأمهات والأقارب على كونهم بخير وصحة.
صحيح أيضا أن هناك احتمال وجود من سيرى في الخدمات المجانية فرصة سانحة ووسيلة لخدمة شر.. وأنهم قد يستغلون الخدمات المجانية لرسائل الواتسآب والفايبر والتانجو والسكايب للتواصل في حوارات غير مقبولة أو مشروعة أو حتى إجرامية أو إرهابية.
و لكن لا يمكن أن يكون باب سد الذرائع هو الوسيلة والإجراء الأمثل للتحكم في التجاوزات في عصر الانفتاح الفضائي.
أنا مع أمن الوطن والمواطن الغيور قلبا وقالبا حيث استقرار الوطن وأمنه هو ما يضمن مستقبل أبنائنا واقتصادنا.. ولكن الأمن لن يأتي من تفعيل نظام مراقبة «الأخ الأكبر يسجل حواراتك ويمنع اتصالاتك»؛ بل يضمن استقرار الوطن وأمنه أن نبني الشعور برسوخ وضمان حقوق كل مواطن على السواء، وتمتعه بالحماية والرخاء, وتوفر الخدمات الحضارية التي تسعده. حين يؤمن المواطن فعلا أن لا موقع آخر على الأرض سيقدم له ما تقدمه له بلاده الأم، فسيقوم بنفسه بالإبلاغ عن أي تحرك أو تواصل مشبوه من أي فرد أو جهة. موجه ضد استقرار أوضاع وأمن الوطن.
المواطَنة أن ترى نفسك جزءا لا يتجزأ من الوطن ومسؤولا عن استقراره.. تعريف بسيط لمبدأ سامي.
هذا المبدأ البسيط الذي -ذاتيا- يمنع الطيران مع أي ريح عشوائيا في انفتاح الأفق- مسألة حيوية مصيرية، الالتزام به من الجميع أمر ضروري لحماية الجميع.