لقد عشنا زمنا كنا نعتقد فيه أننا وصلنا إلى أسوأ المراحل في تاريخنا، وكان تهكم الناس على الجامعة العربية شيئا معتادا. هذا، مع أننا كنا في الزمن الصحيح، عندما كان الكبار كبارا، والصغار صغارا، فماذا عسانا أن نقول اليوم، بعد أن تحولت هذه المؤسسة العتيدة منذ سنوات إلى مجرد مكتب سكرتارية لا أكثر، ثم بعد ما اصطلح على تسميتها بالثورات العربية رأينا عجبا، إذ من الواضح أن وكلاء هذه الثورات لا زالوا يحاولون أن تكون هذه الجامعة مجرد مكتب ملحق بمكاتبهم الوثيرة، وتكون مهمة هذا المكتب هي «البصم» على ما يقرره الوكيل المعتمد.
هل تذكرون عندما كانت اجتماعات الجامعة العربية تعقد في العواصم الكبرى، ونحن نتحدث هنا عن القاهرة والرباط والرياض، وعندما كان الكبار يعتلون منصاتها، وهنا نتحدث عن الحسن الثاني، والسادات، ومبارك، وفهد بن عبدالعزيز، وعبدالله بن عبدالعزيز، وزايد بن سلطان، فقد كان الناس حينها يتندرون كثيرا على ما يفتقدونه اليوم، وذلك بعد أن فقدت هذه المؤسسة العريقة كثيرا من هيبتها، وتكمن المعضلة في تخلي الكبار عن أداء أدوارهم، إما بسبب الفاقة، أو بسبب الاتكال، أو «الرزانة» السياسية، فهل يا ترى كان الكبار فيما مضى عاجزين عن فعل ما يفعله الصغار اليوم؟!.
على مر التاريخ العربي الحديث، كان الحكام العرب الكبار يفخرون بعروبتهم وانتماءهم، ولم يستغلوا عوز الشعوب الأخرى لإذلالها، بل كانوا يساهمون في تطبيب جراحها دون أذى أو منة، ومع أنه كان بإمكان هؤلاء الكبار أن يتسيدوا الموقف في اجتماعات الجامعة العربية بما لديهم من مال أو نفوذ، إلا أنهم كانوا يحفظون للكبير وقاره، ويذكرون التاريخ جيدا، فقد كان كل يعرف قدره، والحدود التي يستطيع المناورة من خلالها، فما الذي تغير الآن؟!.
لقد تبدلت الأدوار رأسا على عقب، وفجأة وجد «الصغار» أنفسهم في مقدمة الصفوف في تراتيبية جامعة العرب، ولم يقدمهم أحد، بل هم من قرر أن يكون كذلك، فتارة يكون الحلف مع هذا ضد ذاك، وتارة تتم مناكفة ذاك على حساب هذا، حتى رأينا في إحدى القمم المتأخرة رئيس أكبر دولة عربية يعامل على عكس ما تفرضه بروتوكولات هذه الجامعة العريقة، ولم يكن سلف هذا الرئيس ليقبلوا بمثل هذا، ولكنها الثورات التي قلبت معادلة العلاقات العربية رأسا على عقب، فعندما تكون رئيسا لدولة كبرى عن طريق «الثورة»، فإنك حتما ستكون مجبورا على مسايرة «الوكيل الحصري» لتلك الثورة، ولتذهب حينها كرامتك، وكرامة وطنك الضارب في عمق التاريخ إلى الجحيم، فهل يا ترى ستستمر سيناريوهات هذه الجامعة على وتيرتها الحالية، أم أن أحدا ما سينتفض، وينفض معه «الغبار المتراكم» في أروقتها، وربما حينها سيعود «الكبار» كبارا، وسيعود «الصغار» صغارا، كما كانوا دوما، وكما تفرض معادلة العلاقات الدولية.
ahmad.alfarraj@hotmail.comتويتر @alfarraj2