مقالي قد يكون ضد التيار، ولكن يمكن أن نفهمه ونتفهمه بلغة الأرقام حتى نستفيد من هكذا طرح للواقع الاجتماعي والاقتصادي. الجميع تقريبا وبلا استثناء وأنا من الجميع ولست من الاستثناء يشير إلى أرقام العمالة الأجنبية إلى أكثر من تسعة ملايين حسب.....
إحصائيات عام 2012م. وهذا يشكل ضغطا كبيرا على الاقتصاد الوطني. وكانت وزارة العمل قد حددت أن عدد العاملين يصل إلى 6.9 بتقديرات أخيرة نظرا لكون باقي العمالة هي أسر لهولاء الأشخاص موجودين بصحبتهم. وبناء عليه سنفترض أن العمالة هي سبعة ملايين حتى نضبط لغة الأرقام التي ستتلو بعد قليل..
نعلم أن الأرقام المرتبطة بحجم العمالة هي حجم البطالة فهما رقمان متلازمان في المعادلة، وهما في نفس الوقت يرتبطان بعلاقة طردية، فكلما زادت العمالة الأجنبية كلما زادت نسبة البطالة والعكس كلما انخفضت العمالة الأجنبية انخفضت نسبة البطالة السعودية. وعادة عندما نتحدث عن لغة الأرقام الأليمة لاستنزاف الاقتصاد الوطني بسبب العمالة الاجنبية الموجودة في بلادنا نحن نتحدث عن مليارات الريالات التي يتم ضخها خارج المملكة بسبب تحويلات العمالة الأجنبية. وحسب آخر إحصائية لمصلحة الإحصائيات العامة فإن تحويل هذه العمالة يصل إلى حوالي 135 مليار ريال خلال عام 2012م.
وما سأشير اليه في مقالي هو الوجه الآخر لهذه الارقام، حيث ان العمالة الاجنبية في المملكة تقوم بدور كبير لخدمة الاقتصاد الوطني ليس بالعمل الذي تقوم به وهذا مقدر ومعروف سلفا، ولكن الاستثمار الداخلي لتسعة ملايين اجنبي هو ايضا ارقام خيالية تصب في مصلحة الوطن والمواطنين.
دعونا نبدأ أولا بسبعة ملايين عامل مطلوب من كل واحد منهم تجديد اقامته السنوية بستمائة ريال ودفع رسوم 2400 ريال سنويا بتطبيق نظام الرسوم السنوية التي استنتها وزارة العمل، فيصبح ما يدفعه كل عامل سنويا هو ثلاثة آلاف ريال سنويا للدولة. طبعا تتحول هذه المبالغ لصالح صندوق تنمية الموارد البشرية. ويصبح بالإجمال ما يتم ضخه من العمالة بسبب وجودها في البلاد لصالح صناديق الدولة هو 21 مليار ريال. كما توجد رسوم تأشيرة الخروج والعودة مرة واحدة بقيمة مائتي ريال وخمسمائة لتأشيرة متعددة. ونفترض هنا للتبسيط أن سبعة ملايين فقط يستفيدون من تأشيرة واحدة فقط بقيمة مائتي ريال سنويا، ليصبح قيمتها الاجمالية مليار واربعمائة مليون ريال. كما ان الحصول على تأشيرة العامل تصل إلى الفي ريال، وهذه تدفع بمعدل كل سنتين، فإذا افترضنا ان نصف اصحاب هذه العمالة تدفع رسوم التأشيرة ليكون المجموع تسعة مليارات ريال سنويا. ويتبع ذلك نظام التأمين حيث تستفيد شركات التأمين من اشتراك العمالة في التأمين الصحي. وهنا نضيف باقي العمالة ونحسب ما قيمته ربما مائتي ريال لكل عامل ومن يتبعه من المرافقين لتصبح فاتورة التأمين في العمالة الأجنبية مليار وثمانمائة مليون ريال.
ثم ننتقل إلى العمالة وهي تأكل وتشرب وتشتري ضرورياتها من الأسواق والمراكز التجارية والمطاعم وغيرها. وهنا اسمحوا لي ان اقدر تقديرا فقط. نعلم ان العمالة الأجنبية تختلف في ايرادتها من قبل الشركات والمؤسسات ولكن سنضع رقما ارشاديا في هذا الخصوص ونفترض ان كل شخص من العمالة يصرف ما مقداره ألف ريال شهريا أي بواقع تقريبي يوصلها إلى اثني عشر الف ريال، وبالتالي يصل مجموع الصرف الاستهلاكي السنوي للعمالة الأجنبية هو مائة وثمانية مليار ريال سنويا. وهذا رقم كبير في حساب الاستثمار الداخلي للعمالة الأجنبية.
ونعلم ان العامل لديه سفريات سنوية او كل سنتين ويستخدم مؤسسة الخطوط السعودية في معظم تنقلاتهم الداخلية والخارجية، وتتراوح التذكرة إلى جنوب شرق آسيا في حدود الفين ريال، ولكن سنحدد الف ريال قيمة استخدام الخطوط السعودية، ولكن سيتم حساب ان 70% من العمالة تستخدم الخطوط السعودية أي حوالي سبعة ملايين راكب، وبالتالي تصبح فواتير الطيران الجوي سبعة مليارات ريال. ويمكن أن نضيف لها فواتير النقل الأخرى من نقل جماعي وتكاسي وغيرها بقيمة مئتي ريال شهريا أي بمعدل سنوي ألف ومئتي ريال، ويصبح مجموعها عشرة مليارات ريال.
أما السكن فيمكن أن نقدر الإيجار السنوي للمنازل والشقق يصل إلى عشرة آلاف ريال، ولكن ليس جميع العمالة تدفع هذه القيمة وسنختصرها إلى ثلاثة ملايين من العدد الإجمالي للعمالة لتصبح قيمة الفاتورة السنوية التي يستفيد منها اصحاب العقار هي ثلاثون مليار ريال.
وهناك مصروفات أخرى للعمالة ولكن يصعب ذكرها هنا، ونكتفي لنقول إن مجموع ما تصرفه العمالة بذاتها أو بسببها هو يصل إلى مائة وسبعة وثمانين مليارا ومئتي مليون ريال (187.2 مليار) سنويا. وإذا قارنا هذه القيمة مع قيمة التحويلات الخارجية للعمالة فسيكون هناك فائض يتجاوز اثنين وخمسين مليار ريال سعودي. ومن هنا نستطيع القول إن الوجه الآخر للعمالة الأجنبية توجد فيه استثمارات ضخمة داخلية تستفيد منها الدولة لتحولها لصناديق دعم توظيف الشباب ويستفيد منها القطاع الخاص والمواطنون بشكل عام.. وبطبيعة الحال لا نشير هنا إلى استفادة المواطنين والمؤسسات الحكومية والخاصة من خدمات هذه العمالة نظرا لكونها تحصيل حاصل، ولكنها تشكل أهمية كبيرة في رفد الخدمات التي يستفيد منها المواطنون بشكل عام.. وفي نفس الوقت أرجو ألا يفهم من مقالي تشجيع زيادة العمالة الأجنبية ولكن فقط أحببت أن ننظر إلى القضية بتوازن اقتصادي بحت..
alkarni@ksu.edu.sa- رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للإعلام والاتصال - رئيس قسم الإعلام بجامعة الملك خالد