سعادة رئيس تحرير صحيفة الجزيرة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فتعقيباً على ما كتبه الأخ سلمان بن محمد العمري في يوم الجمعة 2-6-1434هـ في جريدة الجزيرة صفحة (آفاق إسلامية) حول ما يجري في مجالسنا التي تعقد للتواصل والائتلاف فتدار فيها الآراء والاقتراحات حتى تنقلب من تواصل إلى تنافر ومن ائتلاف إلى اختلاف، والسبب التعصب للرأي والعزة بالإثم والنظر إلى الآخرين بعين الانتقاص وعدم الخبرة والنقص في العلم وسفاهة الرأي، أو مع الاحترام الغفلة وسوء الفهم، والمسلم الحق الذي ينظر بعين غيره لا بعينه ويعامل أخيه بما يحب أن يعامله به، ويضع نفسه في مجلس أخيه قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً }النساء135.
فالواجب على المسلم أن يحسن الظن بكلام أخيه المسلم، وأن يحمل العبارة المحتملة محملاً حسناً، وأن بدا له انتقاد ومخالفة في الرأي أن يكون النقد موضوعياً وهو الذي يتجه للموضوع ذاته وليس لصاحبه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حدث خطأ من أحد أصحابه أو بعضهم يقول: (ما بال أقوام) وهذه قمة الأخلاق والمحافظة على نفسية المقابل وإنصاف الآخرين قال المناوي: الإنصاف والعدل توأمان نتيجتهما علو الهمة وبراءة الذمة باكتساب الفضائل وتجنب الرذائل. وأولى درجات الإنصاف أن يكون الإنسان منصفاً لنفسه، وذلك بأن يجنب نفسه التدنس بالصغائر ويحقرها بمعاصي الله وسفاسف الأمور بل يرفعها بطاعة الله وتوحيده وحبه وخوفه ورجائه ومعرفة حقه، وعليه أن ينصف ربه، قال ابن القيم: طوبى لمن أنصف ربه فأقر له بالجهل في علمه، والآفات في عمله، والعيوب في نفسه، والتفريط في حقه، والظلم في معاملته، فإن أخذه بذنوبه رأى عدله، وإن لم يؤاخذه بها رأي فضله.
وإنصاف نبيه بالقيام بحقوقه صلى الله عليه وسلم من الإيمان به ومحبته وطاعته وتوقيره وتبجيله، وتقديم أمره وقوله على أمر غيره. وينصف العباد من نفسه أو ممن يحب، حتى لو كان هذا الغير مخالفاً له في الرأي، أو في الدين، أو في المذهب، قال ابن القيم: إنصاف الناس أن تؤدي حقوقهم وألا تطالبهم بما ليس لك، وألا تحملهم فوق وسعهم، وأن تعاملهم بما يحب أن يعاملوك به.
وقد حرص الإسلام على التآلف والتفاهم والبعد عن المجادلة المفضي إلى الخصومة قال صلى الله عليه وسلم: (إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم)، وقال ابن عباس: (لا تمار أخاك فإن المراء لا تفهم حكمته، ولا تؤمن غائلته)، وقال مالك ابن أنس: (المراء يقسي القلوب ويورث الضغائن).
نورة بنت عبدالرحمن الخضير - أستاذ التفسير وعلوم القرآن المساعد بجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن