يقول الله تعالى في محكم تنزيله: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ. الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ. أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} (البقرة 155-157)، ويقول الله تعالى أيضاً في آية أخرى: (كل نفس ذائقة الموت ثُم إلينا تُرجعون) العنكبوت 57.
مساء يوم الخميس الماضي كان يوماً حزينا حمل خبراً مفجعاً لأهالي حريملاء إذ وقع حادث مروري أليم أودى بحياة خمسة من أبناء عائلة (المبارك) وهم أبناء عمومة لا تتجاوز أعمارهم بين الثامنة والثامنة عشرة حيث خيم الحزن على المحافظة، وتقاطر الناس لبيوت العزاء مواسين ومعزين في هذا الحادث الجلل الذي صدع القلوب وأبكى العيون وهز النفوس والمشاعر.
فقد كان وقع الخبر مؤلماً على الجميع عموماً وعلى بيت من بيوت عائلة (المبارك) الذي توالت عليه سحائب الحزن منذ فترة، فمنذ سنوات قريبة فُجع الشيخ عبدالعزيز المبارك -أطال الله في عمره- في وفاة خمسة من أسباطه في حادث مروري مروع قبل تسع سنوات، والآن فُجع بوفاة اثنين آخرين وجميعهم في حادث مروري مشابه، وابنته (أم عبدالعزيز) التي فقدت أثنين من أبنائها في هذا الحادث هي التي فقدت أثنين من قبل في الحادث السابق وفقدت زوجها أيضاً في حادث مروري وهو عائد من محافظة حريملاء قبل عدة سنوات.
حقيقة، إن الفراق مؤلم وموجع لكن يبقى عزاؤنا أن الله سبحانه وتعالى قد وعد الصابرين بالأجر العظيم وأن نحتسب الأمر عند الله، وهذا ما كانت عليه (أم عبدالعزيز) الصابرة المحتسبة والدة المتوفين (عبدالله وحمد) -رحمهما الله- فقد شوهدت وهي معروفة بقوة إيمانها وجلدها وصبرها وتماسكها أمام المصائب -صابرة محتسبة- ولم تذرف الدموع كما هي عادة النساء في نياحهن وصياحهن في مثل هذه المواقف، بل سلمت أمرها لله سبحانه وتعالى ورضت بقضائه وقدره واحتسبت للأجر العظيم، وكأن لسان حالها يقول:
بكاؤكما يشفي وإن كان لا يجدي
فجودا فقد أودى نظيركما عندي
أعيني: جودا فقد جُدت للثرى
بأنفسَ ما تسألان من الرفد
أُلام لما أبدي عليك من الأسى
وإني لأخفي أضعاف ما أبدي
نعم، بكاء العين قد يشفي من بعض الحزن، ولكن لا يجدي في فقد الأم فلذات الأكباد:
أمن المنون وريبها تتوجع
والدهر ليس بمعتب من يجزع
أودى بني وأعقبوني حسرة
بعد الرقاد وعَبرة لا تقلع
فغبرت بعدهم بعيش ناصب
وأخال أني لاحق مستتبع
وقد سُئلت السعادة أين تسكنين؟ فقالت: في قلوب الراضين بقضاء الله وقدره، وقيل لها فبما تتغذين؟ فقالت: من قوة إيمانهم، وقيل لها أيضاً فبما تدومين؟ فردت عليهم: بحسن ظنهم بالله، وأخيراً سُئلت فبما تؤمنين؟ قالت: أن تعلم النفس أن لن يصيبها إلا ما كتب الله لها.
وختاماً، لابد لنا من الرضا بقضاء الله وقدره وأن يتدرع الإنسان بلباس الصبر في مواجهة فجائع الأيام والليالي التي تأتي على حين غرة وأنه لا مفر من قضاء الله وقدره. تغمد الله هؤلاء الأبناء بواسع رحمته، وأسكنهم فسيح جناته، وألهم والديهم وذويهم الصبر والسلوان، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا: {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
mshuwaier@hotmail.com