تأليف: الدكتور القدير / عايض الردادي:
قراءة - حنان بنت عبدالعزيز آل سيف:
- بنت الأعشى -
«الطائفية والتفكيك بعد سقوط بغداد» كتاب تاريخي هادف، تناول فيه الدكتور الخبير النحرير عايض الردادي أسباب وأحداث سقوط بغداد على يد التتار عام 656هـ، ثم سقوطها بالاحتلال عام 1424هـ، وأثر الطائفية في السقوط الأخير، والتي تحاول أن تمزق أوصال العراق إلى دويلات تدور في رحاها تصفيات أخوة المواطنة، داعياً إلى الإفادة من عِبر التاريخ وعظاته والتي ساقها في ثنايا وطيات الكتاب. وعن انبثاق فكرة طبع الكتاب والقادح الأصلي لزناد الفكرة، يقول المؤلف -حفظه الله- في إرهاصة الكتاب ما نصه: (عندما رغب إليّ أحد الفضلاء في الرياض أن أتحدث في منتداه الثقافي، اخترت موضوعاً يلامس هموم الأمة التي نعيشها الآن، وتنذر بتمزيقها، وهو موضوع: «الطائفية والتفكيك بعد سقوط بغداد»، وقد استمعت إلى تعليقات بعد المحاضرة استفدت منها ثم عهدت بها إلى أستاذ لي فقرأها، وأبدى ملحوظات قيمة، وقد عدت للمحاضرة مستفيداً من تلك الملحوظات، ومما اطلعت عليه من معلومات بعد إلقائها، وعندما قرأها الصديق الأستاذ حمد القاضي رئيس تحرير المجلة العربية طلب مني نشرها في كتيب المجلة فاستجبت لرغبته الكريمة، وها هي أمام القارئ آملاً أن أحظى بملحوظاته، ومؤملاً أن تسهم هذه المحاضرة في إيقاظ الهمم لمواجهة الخطر المتمثل في إيقاظ الفتن للمواجهة بين المواطنين، وهو الوجه الجديد للاستعمار بتوظيف سياسة «فرِّق تسد» أو «فرق تمزق الوطن». وفي ناصية الكتاب يقف المؤلف عند نظرة ابن خلدون للتاريخ، ويتأمل ما قاله في مقدمته وهو:
إن التاريخ «محتاج إلى مآخذ متعددة، ومعارف متنوعة، وحسن نظر وتثبت يفضيان بصاحبهما إلى الحق، وينكبان عن المزلات والمغالط، لأن الأخبار إذا اعتمد فيها على مجرد النقل، ولم تحكم أصول العادة، وقواعد السياسة، وطبيعة العمران والأحوال والاجتماع الإنساني، ولا قيس الغائب منها بالشاهد، والحاضر بالذاهب، فربما لم يؤمن فيها من العثور، ومزلة القدم، والحيد عن جادة الصدق».
وعبر عنوان جميل أخاذ وهو: «عبر من الماضي»، عاد المؤلف -حفظه الله- إلى نظرية ابن خلدون في التاريخ ورصد لها العبر التالية:
1- الضعف العسكري والذي تمثل في إضعاف الجيش وتسريح العسكر حتى وصل العدد إلى عشرة آلاف من مئة ألف.
2- الضعف السياسي المتمثل في وصف الخليفة المستعصم، والانصراف إلى اللهو، وإسناد الأمر إلى غير أهله.
3- الصراع المذهبي الطائفي الذي أدى إلى الوقوف مع الغازي والتعاون معه.
4- معاضدة الحكام خارج بغداد للغزاة خوفاً أو مصانعة.
5- المهانة التي لقيها من تعاون مع الغزاة في بغداد.
6- الذلة والمهانة والخنوع الذي قابل به السكان الغزاة حتى كان التتار يدخلون على الجماعة في المنزل فيقتلونهم الواحد تلو الآخر دون أي مقاومة.
يا نكبة ما نجا من صرفها أحد
من الورى فاستوى المملوك والملك
تمكنت بعد عز في أحبتنا
أيدي الأعادي فما أبقوا ولا تركوا
ولو أمعنا النظر في الحوادث والأشخاص وجدنا أن التاريخ يعيد نفسه، فالأحداث عادت بصورة مشابهة إن لم تكن مطابقة، فقد تغير الذين قاموا بالأدوار ولم تتغير الأحداث ولا أدوارهم في الاحتلال.وتحت عنوان جد هام وهو الوجه الجديد للاستعمار، يقول المؤلف -حماه الله-: (تلك عبر ودروس للأمم التي تأخذ دروس التاريخ وكلها مهمة، لكننا نستصحب منها ما يخص موضوعنا وهو مماثلة ما بين الحاضر والغائب من توظيف للخلافات الطائفية في تمزيق الأمة خدمة للغازي، ومن تغليب الانحياز للطائفية على الانتماء الإسلامي والوطني وعدم تيقظ الناس لذلك، وعدم أخذهم العبرة من التاريخ).
يا حماة الدين الحنيفي هبوا
وادفعوا عن حماكم الأشرار
لا تملوا لا تجزعوا لا تولوا
اجمعوا الأمر وحدوا الأفكارا
وحدوها فالمذهبية داء
جربته اليهود ثم النصارى
ادفنوا سرها ولا تدعوها
يكشف الأجنبي عنها الستارا
إن للأجنبي فينا عيوناً
بثها حيث تفضح الاسرارا!
فاتحاد المسلمين حصن حصين
يقف الخصم دونه محتارا
وأخيراً: فقد تناولت هذه المحاضرة موضوعات هامة جداً وشيقة، وقد رُتبت متسلسلة على درجة أهميتها، وأسلوب الكاتب أسلوب عذب يستقصي فيه حقائق التاريخ حتى يشبع بحثه اطلاعاً وموسوعية وثراءً، يزين معلومات الكتاب شواهد شعرية رائقة أضفت ملمساً من ملامس الجمال الأدبي، وثمة إحالات الكتاب فهي دقيقة مستوعبة حاصرة، والمحاضرة ثرية جداً بحقائقها وتعليقاتها ومعلوماتها، هذا وقد جاءت أحداث الكتاب متصلة مترابطة لا تعارض أو فجوات بينها وهي تحقق وتهدف إلى أمور هامة وهي:
1- إبراز جهود ابن خلدون التاريخية والاجتماعية.
2- وصف نكبة بغداد التي حدثت سنة 656هـ، وتصوير الدمار والهلاك الذي عم العالم العربي والإسلامي.
3- دراسة الماضي وأحداثه، وتأثيراته على الحاضر.
4- التنبؤ بمستقبل العراق.
5- التأكيد على مبدأ أن التاريخ يعيد نفسه.
6- تتبع عبر الأيام وعظاتها، فجاء الكتاب تحفة في العبر والعظات.
هذا، وقد كانت أحداث الكتاب وحوادثه وأحاديثه تسير على رائعة أبي البقاء الرندي:
لكل شيء إذا ما تم نقصان
فلا يغر بطيب العيش إنسان
هي الأمور كما شاهدتها دول
من سره زمن ساءته أزمان
حفظ الله المؤلف وما زالت كناشته رطبة ثرية بكل ممتع وثري ونفيس.
عنوان التواصل:
ص.ب 54753 - الرياض 11524
فاكس: 2177739 - Hanan.alsif@hotmail.com