|
سبق للدكتور عائض القرني أن وصف قلم الشيخ علي الطنطاوي بأنه أجمل قلم في المائة عام الأخيرة.
والحق أن أسلوب الشيخ الطنطاوي ممتع كما كان حديثه ممتعاً رحمه الله.
في أحد كتبه «دمشق.. صور من جمالها.. وعبر من نضالها» يقول: إذا درت من حول الهضبة رأيت بستاناً كأنه سرق من الغوطة، ثم تعب السارق من حمله، فألقاه في ذلك الوادي، فإذا نزلت الوادي، أبصرت نهراً متحدراً جياشاً تتكسر مياهه في شعاع الشمس فتبرق إذ يلتف من حول التل مثل بريق عقد من الألماس حول عنق الحسناء. فإذا صعدت في الجبل، تجمعت لك المشاهد كلها، حتى تأخذ ببصرك الوادي كله، فترى القرى متمددات على السفوح تمدد الحصادات «الفاتنات» على بساط الكلأ عند الظهيرة، والبيوت متجاورات تحت الصخرات، دانيات كأنها تتناجى مثل تناجي المحبين عند العشية، وقبل لحظة الوداع.
والمآذن شامخات، كأنهن أصابع ممتدات، تشهد أن لا إله إلا الله.
وفي كل جهة عين، وعلى جنب كل درب ساقية، وفي كل ناحية شلال يتدفق.
صحيح والله يا أيها القراء، فلا تحسبوه خيال شاعر، أو غلو أديب.
يسرع ماء الشلال إسراع المحب إلى موعد لقاء، وللسواقي خرير كأنه وشوشات العشاق بعد طول فراق.
وعلى الغلاف الأخير للكتاب جاءت هذه المقتطفات عن دمشق:
دمشق التي يحضنها الجبل الأشم الرابض بين الصخر والشجر، المترفع عن الأرض ترفع البطولة العبقرية.
دمشق التي تعانقها الغوطة، الأم الرؤوم الساهرة أبداً.
تصغي إلى مناجاة السواقي الهائمة في مرابع الفتنة: وقهقهة الجداول المنتشية من رحيق بردى، الراكضة دائما نحو مطلع الشمس.
دمشق أقدم مدن الأرض قدماً، وأكبرها سناً، وأرسخها في الحضارة قدماً.
كانت مدينة عامرة قبل أن تولد بغداد والقاهرة وباريس ولندن، وقبل أن تنشأ الأهرام وينحت من الصخر وجه أبي الهول.