شابان عاشا في بوسطن بالولايات المتحدة الأمريكية وشاهدا بأم أعينهما ما يتمتع به الشعب الأمريكي من حرية في المعتقد ونالا نصيبهما منها ولم يدر بخلد أحد أن يقدم هذان الشابان على فعل شنيع كما شاهده الجميع عبر وسائل الإعلام. وطالما أكثرت من التساؤل عن الأسباب الكامنة خلف إقدام البعض على أفعال إرهابية، ولم أجد لها جوابا مقنعاً، وقلت في نفسي لابد لي أن أحكم على الشيء بتصور آخر، فالحكم على الشيء جزء من تصوره، فليس بالضرورة أن لدى الناس مجتمعين عقلا راجحا، أو رأي سديداً، أو ثقافة واحدة تقودهم إلى الخير الذي يبشر به الأنبياء والرسل، وحملته الكتب السماوية، كما أن الفلاسفة السابقين مثل طاو، وكونفشيوس، وبوذا، وأرسطو، وأفلاطون، وغيرهم لم يكونوا بعيدين عن الحث على مبادئ الخير في التعاملات الإنسانية، ولهذا فلا يوجد في هذا العالم أساس لبروز شطحات فكرية تقود الناس إلى المهالك.
قد يفهم المرء مبدأ التقاتل حول السلطة والمال، وهو ما كان في سالف الأزمان وما زال، لكن الذي لا يمكن فهمه أن يقتل فرد أو أفراد، أعداداً من الأبرياء دون سبب أو مردود دنيوي أو أخروي. فهذان الشابان أقدما على التفجير ليقتلا ويجرحا أبرياء حضروا أو شاركوا في سباق مراثون عريق، أو هما ما زالا متهمين، حتى يقدم من بقي منهم على قيد الحياة إلى المحكمة.
وفي خلاصة هذا العمل السيئ يتساءل المرء عن المردود من هذا الفعل، فلم يخدما دينهما، بل أساءا إليه، ولم يشاركا في قضية وطنهما، بل حرفا الناس عنها، ولم يحسنا لنفسيهما فأحدهما مات قتيلا، والآخر جرح وسيقدم للمحاكمة، ولهذا فإن نتيجة فعلتهما هذه لم تتوقف عند درجة الصفر، بل تجاوزتها إلى ما تحت الصفر، ولهذا فلم يكن الفعل لجني الخير، بل لجناية شر.
أمر محزن أن يفعل هذا الشابان ما فعلاه، لكن قبل كل ذلك علينا أن نحاكم الفكر الذي عشعش في عقليهما، وبذرة الشر التي زرعها دعاة ضلال انساقا وراءهم ففعلا ما فعلا دون تمحيص أو رؤية. إنه فكر يحتاج إلى اجتثاث من خلال مسحه من الأذهان ومعرفة الأديان معرفة حقه، لأن مثل ذلك الفكر إذا ما استمر سيكون وبالا على الناس جميعاً.
عندما يسود مبدأ المحبة والعدل والتسامح والصبر وفوق ذلك الإيمان بالله تعالى، ومن ثم العمل الدؤوب، فلا ريب أن مثل ذلك الفكر لن يكون له وجود لأنه لا يتفق مع الأديان والقيم الأخلاقية والمنطق الإنساني، فلم يكن مثل هذا العبث سوى وليد ذلك الفكر الذي يجب محاربته، لكن فيما يبدو أن طرائق التصدي له تحتاج إلى تمحيص وإعادة نظر، أو على أقل تقدير الدفع بمزيد من التصدي بما هو متاح من أساليب مع تحسين في الأداء والصدق فيه.
شابان قادهما فكر ترسخ عبر السنين وزاد في هذا العصر ليقودا هذا العمل المشين، وهما يعلمان أو لا يعلمان أن مآلهما لا محالة القتل أو السجن، وأن النتائج المرجوة منه لن تكون إيجابية، بل ستكون سلبية، وإذا كانا لا يعلمان فهذا يعني أن هناك من جرهما جراً إلى الإقدام على هذا العمل لإيمان ذلك المبتدع لهذا الفكر أو السائر في ركبه، أن غايته سوف تتحقق وأن مادتها ستكون أنفس المفجرين وأرواح الأبرياء. فهو قد زرع فكراً في أفئدة هذا وذاك، وظل بعيداً يتوارى خلف الستار، ويلبس كلامه ونهجه غطاءاً قد لا يفهم منه ذلك الفكر الدفين السيئ، ولذا فإن قادة ذلك الفكر وأربابه هم أساس البلاء، وجالبو العناء لهم ولذويهم ولغيرهم.
نسأل الله السلامة من كل شر، وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا إتباعه، والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه. وأن يحفظنا ويديم علينا أمننا إنه سميع مجيب.