لا شك أن ظهور قضية شح الإسكان في بلادنا رغم توفر الإمكانيات كافة، أرض ومال وحاجة، يبدو غريباً وعجيباً ولا يستقيم مع المنطق، لكن إذا تجاوزنا الإمكانات وتأملنا الوسائل المتبعة لتحقيق الاحتياجات السكانية فقد نجد أن العجب والاستغراب ينتقل من وجود المشكلة إلى مبررات وأسباب ظهورها.
يعتقد الكثيرون أن حق المواطن في امتلاك سكن لائق هو حق مستوجب على الحكومة، وهذا غير صحيح، فليس من بين الحقوق الواجبة على الحكومات في أي بلد في العالم توفير سكن، ولا يوجد قانون أو تشريع يوجب ذلك باستثناء النظم الشيوعية التي توفر السكن ولا تملكه للمواطن بل يبقى في ملكيتها، وهي لا تكتفي بإسكان المواطن بل وتوفر له معيشته وربما أثاث بيته ومواصلاته، أي أنها تلغي فطرة التملك لدى الإنسان وتجعله آلة أو أداة إنتاج ليس إلا، تنتهي صلاحيته بوفاته أو عجزه. وفي الدول الرأسمالية الأمر مختلف بالاتجاه المعاكس تماماً، فالمواطن هو الملزم بتوفير سكنه واحتياجاته لكن مع التزام الحكومة بتوفير فرص الكسب. لدينا هنا تظهر روح الأخوة والتكافل، فتعطف الدولة على مواطنيها ذوي الحاجة، فيلجأ إليها المواطن يلتمس منها الأرض والسكن والقرض. وأخشى أن يأتي يوم ليطلب الأثاث والسيارة وزيادة قرض الزواج... نعم حتى الزواج تقدم الدولة قروضاً له دون فوائد، وكرم الدولة في توفير حاجات المواطن أكثر من أن تعد أو تحصى ويشمل المساعدة في تأسيس النشاط التجاري والمهني والزراعي والى آخره. ولكن، أليس في تأمل هذا النهج ما يمكن أن نقول إنه يحفز على الاتكال والتقاعس عن الجد والاجتهاد في الكسب المشروع؟
نعم ولا، نعم إن كانت نسبة المستفيدين والباحثين عن هذه الدعوم كبيرة، ولا إن كانت ضمن المعقول والطبيعي. من الطبيعي أن يكون هناك العاجزون عن الكسب رغم توفر فرصه ومن الطبيعي أن ترأف الدولة بهم وتدعمهم، لكن يفترض أن لا يكون حقاً مكتسباً للمواطن وواجباً على الدولة. لأنه إذا صار كذلك توجهت الناس للاستفادة من هذا الكرم والسخاء على حساب الكد والجهد في استثمار فرص الكسب، وكلما توسع الناس في هذا الاتجاه وهن المجتمع وتراخت عضلاته. ولست في حاجة لتفصيل حال المجتمع الذي يختار الانتظار على المضي في توفير حاجاته، وهو بالتأكيد يتنافى وقيمنا العربية المتباهية بخصائصها العريقة، وإذن نحن أمام حالة دقيقة تستوجب الفحص والتدقيق بتمعن وتأن، لنفصل بين المتشابهات والمتلاصقات ونفكك العناصر المكونة لهذه الحالة إلى عناصرها الأصلية والحقيقية بغية الوصول إلى مكمن الخطأ وتصويبه.
هل يوجد خطأ؟ نعم يوجد خطأ بل أخطاء، لكن كشفها وتشخصيها يحتاج إلى تواضع واستعداد للإقرار والاعتراف بها من قبل الجهة الراسمة لخطط التنمية المتعاقبة على مدى تجاوز أربعة عقود. وما يمكن قوله الآن هو أن الصواب والمسار الطبيعي أن تتوفر حاجات المواطن بكسب جهده وليس بإعانات أو منح، الحق المستوجب للمواطن على الدولة أن توفر له فرص الكسب، وحق الدولة المستوجب على المواطن أن يعمل ويكد ويعمر الوطن، كلما قوي المواطن قوي الوطن. أما إن كنا نواجه مشكلة أخرى وهي محدودية فرص الكسب أو ما يعنون بالبطالة فإن هذا يستحق الأولية، معالجة البطالة أولى وأحق من معالجة شح الإسكان. وكما ذكرت في مقال سبق نشره عام 2009م الوظيفة توفر السكن أما السكن فلا يوفر الوظيفة. وذكرت في مقالات أخرى أن المبالغ والمنح التي توجه نحو السكن والأنشطة المختلفة تستطيع لو حولت إلى فرص كسب أن تنهي الحاجة للصندوق العقاري وبنك التسليف، نعم لماذا لا نستثمر حاجة الناس في توجيههم نحو التصنيع والإنتاج، ننشئ المصانع التي تنتج ما يستهلكه الناس دون انتظار لربحية مادية على المدى القريب والمتوسط حتى، وسنستفيد وبشكل فوري من توجيه المجتمع نحو الإنتاج لنحصل على شعب منتج معتمد على نفسه، والفرد هنا يكسب قوته والوطن يكسب قوت مواطنيه، ولدينا الإمكانيات لتحقيق ذلك، فقط لنأخذ هذا الخيار ونتجه نحوه ونزيل كل ما يعيق الوصول إلى هذا الهدف الوطني النبيل مهما كانت المبررات الفئوية التي بالطبع ترغب في حماية تميزها.
Hassan-Alyemni@hotmail.comTwitter: @HassanAlyemni