طالما بَقِيَ النفطُ يحتل أهمية كبرى في اقتصاد العالم وفي الحضارة المعاصرة فإن المملكة ستظل لاعباً كبيراً على الساحة الاقتصادية العالمية، ويمكن أن تستمر على هذا النحو إذا هي استطاعت أن تصنع اقتصاداً بديلاً ذا قاعدة إنتاجية متنوعة حتى في أزمنة ما بعد النفط بعد عمر طويل كما نتمنى!
وإذا كان من المُسَلَّم به أن أهم عناصر الإنتاج هو الإنسان فإن الاستثمار في البشر يصبح هو الاستثمار الأكثر ربحية في المدى الطويل، ولهذا كان لابد أن يتوازى مع صعود المملكة اقتصادياً بروزُ كفاءاتٍ سعودية هي حصيلة المسيرة الطويلة التي سلكها المجتمع في مجال التعليم منذ زمن البعثات الأولى إلى زمننا الحاضر.
ورغم التقدم الذي حدث ويحدث فإن الشكوى دائماً هي أن المملكة ـ وقد أصبحت عملاقاً اقتصادياً ـ لا تسجل الحضور الكافي في المنظمات الدولية من حيث التمثيل الوطني في الأجهزة العاملة في تلك المنظمات.
فمثلاً، حين تزور أي منظمة دولية سواء تلك المنظمات التابعة للأمم المتحدة أو المنظمات الدولية الأخرى تجد بشراً من كل الجنسيات بما في ذلك جنسيات تنتمي لدول صغيرة ليس لها أي ثقل على الساحة الدولية في أي مجال من المجالات؛ لكنك لا ترى سعوديين في هذه المنظمات إلا في النادر. وحتى عندما تجد سعوديين فإنهم في الغالب ممثلون رسميون للمملكة في تلك المنظمات وليسوا موظفين عاديين.
نحن نعلم أن فرص العمل متوفرة داخل المملكة ولا يحتاج السعودي أن يسافر إلى الخارج ويتغرب في بلدان بعيدة أو قريبة بحثاً عن العمل، لكن فرصة العمل في المنظمات الدولية لا يجوز النظر إليها باعتبارها مجرد بحث عن لقمة العيش وإنما هي فرصة لاكتساب خبرة ثرية في العمل في أوساط تنافسية ومع ثقافات متنوعة وذلك على المستوى الفردي الشخصي؛ أما على المستوى الوطني فإن وجود سعوديين في تلك المنظمات يمثل حضوراً للبلد يمكن توظيفه لصالح الوطن.
وقد كان لافتاً أن يتحدث وزير المالية الدكتور إبراهيم العساف اثناء حضوره اجتماعات اللجنة النقدية والمالية التابعة لصندوق النقد الدولي فيشير بإيجابية إلى قيام صندوق النقد الدولي بتوظيف 12 موظفاً وموظفة سعوديين، وان يحث المسؤولين في الصندوق على إتاحة الفرصة لمزيد من السعوديين للعمل فيه.
من المهم أن تسعى وزارة المالية وجميع الجهات الحكومية إلى تسهيل دخول المزيد من السعوديين إلى المنظمات الدولية التي تتمتع المملكة بعضويتها. وقد يتطلب ذلك تقديم حوافز للسعوديين من قبل الحكومة السعودية بما يعوضهم عن الفرص الموجودة في السعودية، خاصة أن مَنْ يملكون الكفاءة للعمل في تلك المنظمات الأجنبية هم ممن لن يجدوا صعوبة في العثور على وظيفة جيدة في المملكة وسينطوي ذهابهم إلى الخارج على تضحية يتكبدونها في المدى القصير بشكل خاص.
alhumaidak@gmail.comص.ب 105727 - رمز بريدي 11656 - الرياض