صدرت الموافقة على فصل كلية الإعلام بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عن كلية الدعوة، التي كان مسماها سابقاً كلية الدعوة والإعلام، ليصبح «كلية الإعلام والاتصال» وهذه الخطوة الموفقة كانت منتظرة، فما علاقة الدعوة بالإعلام لكي يجمعان في كلية واحدة؟! فالإعلام علم مستقل له تخصصاته وأقسامه الكثيرة المتعددة ومهاراته المختلفة، وليس بالضرورة أن يكون مرتبطا بالدعوة.
وإفراد الدعوة والاحتساب بكلية مستقلة لها أقسامها المختلفة أمر حسن جدا؛ ويا حبذا أن يركز على استقطاب الطلاب لهذه الكلية من بلدان العالم الإسلامي ليحملوا مشعل الهداية إلى بلدانهم، ويكونوا رسل سلام ومحبة وخير من هذه الأرض الطيبة.
هذه خطوة طيبة جاءت متأخرة قليلا، ولعل من المناسب أن أثير بعض التساؤلات التي ربما تقدح أفكاراً للتطوير، وبخاصة ونحن نشهد نقلة نوعية في تطوير التعليم العالي وتوسيع مجالاته واستحداث فروع وتخصصات يحتاجها مجتمعنا، وقد انتقلت جامعة الإمام في السنوات الأخيرة نقلة نوعية مميزة بدأب وهمة وانفتاح مديرها معالي الأستاذ الدكتور سليمان بن عبدالله أبالخيل، وبمتابعة واهتمام من معالي وزير التعليم العالي الأستاذ الدكتور خالد بن محمد العنقري، ووازنت الجامعة في خطواتها التطويرية الانفتاحية بين تخصصاتها الأصيلة في تدريس علوم الشريعة واللغة العربية وبين استحداث علوم وفنون تطبيقية ونظرية؛ مثل: الطب والهندسة والاقتصاد والعلوم الإدارية، وعلوم الحاسب والمعلومات وغيرها.
ومما يلحظه المتأمل تشابه بعض التخصصات وتداخلها، فما هو الفارق الكبير بين كليتي الشريعة وأصول الدين؟! ونحن نعلم أن كلية الشريعة هي الكلية الأولى الأم في الجامعة التي أسست عام 1373هـ وموادها أصيلة وضرورية لدارسي علوم الشريعة كالقضاة والدعاة والأئمة ومدرسي الدين؛ ولا نكاد نجد فارقا كبيرا بين ما يدرسه الطلاب في كلية أصول الدين التي افتتحت عام 1397هـ بعد أن كانت قسما واحدا ضم الدعوة وأصول الدين في بداية الأمر حين تم افتتاحه عام 1394هـ. وهذا التداخل في مواد تخصص متقارب أحدث شيئا من التشتت وأثار أسئلة عميقة عن الفوارق الجوهرية بين الكليتين؛ فلو اكتفت الجامعة بالكلية العريقة الأصيلة «الشريعة» لكان أكثر تركيزا وأدق في التخصص، وأعمق في الدرس.
ومما يلحظه المتأمل أيضا الإثقال على الطلاب بمواد في غير تخصصاتهم الدقيقة؛ فمثلا يدرس الطالب في كلية اللغة العربية في قسم الأدب مواد كثيرة بعيدة عن تخصصه وربما ألم بها وخلص منها في مراحل سابقة؛ كالتفسير والحديث والثقافة الإسلامية وحفظ القرآن الكريم، ولا شك أنها كلها مهمة وفيها خير كثير؛ وبخاصة حفظ القرآن الكريم؛ ولكن تفرغ الطالب لتخصصه الدقيق واهتمامه به مما يساعده على التمكن والتميز فيه، وعلى هذا النحو من تزاحم العلوم والمعارف بين ما هو تخصص وما هو بعيد ماذا ندع لطلب كلية الشريعة إذا نحن أخذنا جزءاً كبيراً من تخصصه إلى قسم الأدب في كلية اللغة العربية؟!
وسيتيح لنا التخفف من مواد غير التخصص زيادة النصاب في المنهج الأصلي للتخصص اللغوي والأدبي مما يضيق به الفصل الدراسي الآن ولا يستوعبه ويمر الطالب على كثير من المعارف الضرورية في تخصصه مروراً سريعاً لضيق الوقت وازدحام المنهج بمواد ليست من صلب تخصصه اللغوي والأدبي.
وبما أننا في حديث عن التطوير؛ فإن من المناسب أن أعود متسائلا من جديد بعد أن كنت تساءلت مرات عديدة في مواضع مختلفة عن تفتيت تخصص واحد إلى جزيئات أو الجمع بين ما لا جامع بينهما، وكما طالبت بأن تضم كلية أصول الدين إلى كلية الشريعة الأصل، وكما حدث انفصال الآن بين الإعلام عن الدعوة لعدم وجود جامع بين تخصصاتهما؛ فإنني أتساءل سؤالا لا أجد له جوابا: كيف يمكن أن ينشق عن قسم الأدب في كلية اللغة العربية قسم أدبي آخر بلا مسوغات حقيقة ولا فواصل معقولة فيتم استحداث قسم «البلاغة والنقد ومنهج الأدب الإسلامي» عام 1395هـ وقد نشآ في العام نفسه؟! فكيف يمكن أن يفهم بأن صلة الأدب بالنقد منبتة؟! أو أن الوشائج لا تكاد تلحظ بين البلاغة والأدب؟ بل إن الأدهى والأكثر إيلاما ما يمكن أن يتبادر إلى الذهن بأن الأدب العاري من اقترانه بما يسمى «منهج الأدب الإسلامي» هو غير إسلامي أو لا يتمثل بقيم ومنهج الإسلام في جامعة أصيلة تعنى بكل ما يتصل بعلوم الدين الإسلامي ولغة وتراث العرب؟!
فهل يمكن أن يدرس الأدب بمعزل عن البلاغة والنقد؟ وهل النقد والبلاغة سمتان مقترنتان لازمتان لأدب يتصف بأنه وليد منهج إسلامي أما ما كان خلوا من التزامه بخصائص ومقومات منهج الأدب وفق تعريفه في القسم فلن يكون له حظ من وجوه التميز النقدي والبلاغي؟!
ويا ترى لماذا وضعت هذه السدود ورفعت هذه الحيطان بين علوم فن واحد هو الأدب بفضائه الرحب الوسيع؟ ومن هو ذلك الذي تملك كل تلك الثقة بنفسه وبما يعتقده من رؤية فكرية ليخطط ويشرع ويفصل على هواه ما لا يمكن أن ينظر إليه إلا على أنه اجتهاد شخصي بحت، ولا يمكن أن يمثل اتجاها عاما مجمعا عليه؟! فكيف يمكن أن يدرس منهج أدب إسلامي في بلاد لا تدين إلا بالإسلام ولله الحمد، وإليه تحتكم وبتعاليمه تسير وتنقاد؟!
أرأيت لو ضمت البلاغة وضم معها النقد إلى قسم الأدب وهو الحق فكيف يمكن أن يصمد ما اصطلح عليه بـ «منهج الأدب الإسلامي» للدرس والبحث والتحصيل ثمانية فصول وهو منهج مجمع تجميعا من شتات متفرق من مقولات واستنباطات من هنا وهناك، حرص منظروها الأوائل على نحتها نحتا وتأليفها تأليفا، وكأنهم كانوا يكتبون لأناس أغراب عن ثقافتهم الإسلامية، أو لمولدين في بيئة لا يتلقى أبناؤها شيئا من علوم الدين وآدابه وأخلاقياته، فلو كتب هذا المنهج للدارسين في الهند أو الصين أو أي قطر غير إسلامي من بلاد الغرب أو الشرق لاستحق منا التشجيع والعون والثناء.
ولا يشك المتأمل الراصد أن نحت هذا المصطلح والزج به إلى كلية اللغة العربية وفرضه فرضا على الطلاب عام 1395هـ لم يكن إلا أثرا واضحا بينا من آثار ما سمي آنذاك منتصف التسعينيات الهجرية من القرن الماضي بالصحوة الإسلامية، وهي الصورة الحقيقية لتغلغل فكر جماعة الإخوان المسلمين في شتى مناحي الحياة الفكرية والإعلامية والاجتماعية في بلادنا. فهل نطمح من معالي وزير التعليم العالي ومعالي مدير الجامعة وهما التواقان إلى التجديد والتطوير إلى حركة تصحيحية تعيد الأمور إلى وضعها الطبيعي، ونتخلص من بقايا آثار ذلك المد؛ فتلتئم فسيفساء الأدب بمكوناته البلاغية والنقدية من جديد باسم واحد هو «قسم الأدب والنقد»؟! والبلاغة تدخل ضمنا كمفهوم من مفهومات أي نص أدبي رفيع.
moh.alowain@gmail.commALowein@