لو سألت عينة من جيل السبعينيات أو الثمانينيات الميلادية، ممن تسربوا من التعليم العام، ولم يكملوا دراستهم، لوجدت الإجابة الوحيدة هي أنهم كانوا في طفولتهم يشعرون أنهم يساقون إلى المذبح، لا إلى صروح التعليم، لأن ما يمارس في المدارس آنذاك هو ضد الإنسانية تماماً، وذلك بعمليات الضرب والجلد التي تقام لها الطقوس في فناء المدرسة، ويجر التلميذ كمجرم ينتظر حكم الإعدام!.
أما الجيل الجديد، وبالرغم من منع الضرب في مدارس التعليم العام منعاً باتاً، إلا أن التلميذ ينهض بتكاسل وملل من اليوم الدراسي الكئيب، وينتظر الإجازة بفارغ الصبر، لأنه حتى وإن ضمن عدم الضرب، فهو يشعر بأنه ذاهب إلى معتقل، لا إلى مدرسة تملؤه بالمتعة والتشويق، وذلك لأسباب يصعب التحدث حولها في مقال قصير كهذا، لكن أبرزها هي الهوة الكبيرة بين الإمكانات التقنية المتاحة للتلميذ في منزله، وتلك التي يفتقدها في مدرسته، بينما الطبيعي أن يكون التفوق التقني للمدرسة مقابل البيت! وبذلك يصعب تطبيق التعليم بالترفيه لدينا كما يحدث في دول العالم، خاصة أننا لم نوفر بعد المتطلبات الأساسية للتعليم كالمباني الحكومية وغيرها!.
ومنذ سنوات ليست قليلة، تطور التعليم العام لدينا، بتطبيق نظام التقويم المستمر، وهو نظام متطور وجيد لولا سوء التطبيق الذي عانت منه مراحل التعليم المبكرة، مما خلف لنا تركة ثقيلة من مخرجات التعليم الضعيفة، والتي تركت أثرها على جيل بأكمله، سيعاني كثيراً في مراحل التعليم العالي.
ماذا فعلت وزارة التربية والتعليم لتصحيح تجربة ما يقارب عشر سنوات من تطبيق نظام التقويم المستمر، الذي عانى من تساهل المعلمين والمعلمات في تقويم تلاميذهم؟ ومن عدم تحملهم مسؤولية التعليم بإخلاص وضمير يقظ؟. هل قامت الوزارة بمراجعة هذا النظام كل سنتين أو ثلاث مثلاً، وقامت بتقويم التقويم المستمر؟ وقامت بتحديثه وتطويره؟.
للأسف لم يحدث هذا، كل ما قامت به الوزارة هذه الأيام أن أصدرت تعميماً غريباً على المدارس الابتدائية والمتوسطة للبنين والبنات، بإجراء اختبارات تحصيلية على مرحلتي السادس الابتدائي، والثالث متوسط، هكذا بكل بساطة دونما تمهيد وإشعار للمعلمين والمعلمات، ودون إشعار أولياء الأمور، وذلك قبيل البدء بالاختبارات بما يقارب أسابيع معدودة فقط، فهل هذا التعميم كانت نتيجة دراسة سابقة؟ إذا كان كذلك فلماذا لم يعلن عنه، ولماذا لم يتم إخطار الأطراف المباشرة للعملية التعليمية، كوادر التعليم من جهة، والبيت من جهة أخرى، بدلاً من التعاميم العشوائية الفجائية، التي لن تكون في صالح التعليم العام بأي حال من الأحوال.
نعم لتقييم مخرجات التعليم العام باختبارات تقييمية أو تحصيلية، هدفها معرفة واختبار تجربة نظام التقويم المستمر، أما أن تكون شرطاً لتجاوز التلميذ لهذه المرحلة أو تلك، فذلك أمر غير مخطط له، وهو نتاج قرارات غير مدروسة!.
نحن ننتظر تطوير التعليم العام، تأسيس تعليم ما قبل المدرسة، الانتقال إلى تجربة التعليم بالترفيه، الاستفادة من تجارب التعليم العام في اليابان مثلاً، أو في بريطانيا وفرنسا، ومراجعتها لتكون مناسبة في البيئة التعليمية لدينا، ومتلائمة مع قدراتنا المتوافرة، لا أن تتحول مدارسنا إلى حقول تجارب، وتعاميم غير مدروسة!.