لو كان للأفكار قيمة لما شاهدت مسلسل التقليد الذي يغرق فيه الجميع على كافة المستويات، ولو كان للأفكار قيمة لشاهدت أصحابها يتربعون على منصات الإعلام، ولو اعتلى اسم صاحب الفكرة (التتر) لرأيت أعدادا كبيرة من الأفكار الإبداعية، ولو ضمنا توليد الأفكار الإبداعية المناهج المدرسية لشاهدت مطرا من الأفكار.
صاحب الفكرة الإبداعية يخشى على فكرته من السرقة: لا قانون يحميه، ولا جهة توثق فكرته، ولا مؤسسة حكومية تعطيه (براءة) الفكرة، أما (المنتج) أيا كان مجاله فلا يعبه بالأفكار الجديدة، لأنها مكلفة وتستهلك صفقته المالية، لذلك يلجأ إلى الأفكار الهزيلة لأنها أرخص وأقل جهدا، في حين الناس لا تسأل ولا تعارض ولا تنتقد.
عندما تنجح فكرتك، يهب الناس خلفك مقلدين ومزورين وناسخين ومدعين، كثير منهم يقتات على أفكارك ويعيش عليها ويشتهر بسببها، لا يهم طالما حقق هدفه، لا يهم الوسيلة أهم شيء الغاية، يطبق ذلك كشخص انتهازي، وتكبر الطامة عندما يقول عن الفكرة المسروقة أنها فكرته.
التقليد سمة جوهرية في المجتمعات التقليدية، فلا تنتظر منها عدلا ولا إنصافا في هذا الجانب، فهم يقلدون أفكارا وسلوكا وأقوالا مضى عليها مئات السنون، فما المانع لديهم أن يقلدوا فكرة (مربحة) يجنون منها الخير العميم، فالتقليد عن الكثيرين بات سلوكا، فهم لا يفرقون بين تقليد الأفكار الخاصة، وتقليد الموضة.
هذا النوع من البشر (المقلدين) لا يتوقف (شرههم) إلا القوانين والأنظمة الصارمة كما هو الحال في الدول المتقدمة، فلا يجرؤ أحد أن يقلد (برنامج تلفزيوني) ناجح، أو يقلد (علامة تجارية) معروفة، ولا يستطيع أحد أيا كان نوعه وشكله أن يقلد (خلطة الببسي) أو (خلطة كوكاكولا)، وامتد حفظهم للأفكار إلى خارج بلادهم، وجندوا كل الطرق لملاحقة من يفكر في التقليد أو السرقة أو الاستنساخ أو حتى الاقتباس عبر القارات.
من هنا تصبح مقولة (العالم المتقدم) و (العالم المتخلف) حقيقة ماثلة في هذا الجانب لا تجني فيها ولا ظلم، فثمة فرق بين عالم يحفظ حقوقك الفكرية، وبين عالم يتركك وشأنك مع الحرامية.
nlp1975@gmail.com