متى عرف الإنسان التعبير عن الفرح؟.. هل الضحك صفة جينية في الإنسان، أم مكتسبة من الحيوان الذي شاطره المحيط وصراع البقاء؟.. (القرود والكلاب والفئران تُعبر بالضحك عند مداعبة بعض الأجزاء من جسمها أو لدى سماع تسجيلات صوتية لضحك سابق).. ما هو وضع التوازن الافتراضي للمزاج البشري الطبيعي، لو ثبّتنا المؤثرات الخارجية المختلفة؟!.. هل الفرح قيمة موجبة والحزن سالب؟.. لماذا نجفل من الحزن ونحاول تبديده ومحاكمته ونفيه؟!.
لماذا نتعاطف مع ملامح الحزن، ولا نتعاطف مع الضاحكين والمرحين؟!. يقول هيجل (Hegel): «ينشأ الضحك نتيجة لوجود التناقض بين المفهوم والمعنى الحقيقي الدفين الذي يقدمه هذا المفهوم».. وهو يشير إلى المفهوم بـ»المظهر» الشيء الظاهر لنا وبالضحك يُنكر وجوده كليّة.. إن ما يبدو لنا مظهراً من مظاهر السعادة قد يُفسر مدى ما يعتلج في انثناءات الروح المأزومة والملتاعة بأسئلة الكون التي لا تجد لها جواباً.. الصخب والمرح قد يكون محاولة هروب من المعنى الحقيقي للحدث.. سرقة متعمدة للواقع.. وقد تتخفّى محاولات السرقة تلك تحت أقنعة متعددة كالأدب الساخر والتمثيل المسرحي وصناعة النكتة.. لأنه توجُّه بشري طبيعي يعمد لنزع الابتسامة والضحكة من الوجوه الحزينة.. لكن هل الضحكة هي خلاص المهموم، أو من يُشبه لنا أنه كذلك؟ هل هي المؤشر الحقيقي للسعادة؟.
إن العالم اليوم وفي مرحلة تأزم الصعوبات وارتفاع منسوب العنف والإرهاب والفقر والبطالة.. ونضوب المياه والاحتباس الحراري و.. و.. يتجه للتحول إلى فم كبير يضحك! إنها أحد تناقضات جنسنا البشري العجيب.
الإستانداب كوميدي، السينما، والمسرح جعلت الأمر يبدو كما لو أنه أجندة مسبوقة النوايا لإخماد شعلة الاحتجاج وتحريك عضلة الرغبات في إيجاد حلول، والبحث عن الخلاص نحو حالة من الضحك للضحك فقط!.. إنها بادرة حقيقة لتسطيح معنى الفرح والحزن، وحشرهما في قوالب جاهزة.. لأنه إن رُمنا الحقيقة فإن ملامح الحزن ليست بالضرورة منطلقة من إحباط أو كَمَد أو يأس.. قد تكون إحدى طرق التعبير الحر المتأتي من فعل تأملي أو تحليق شاعري مع قصيدة أو مقطوعة موسيقية أو مصاحبة لدهشة الحب!.. أما الضحك فمن الإجحاف حصره كتعبير أجوف للسعادة.. «الضحك الإنساني له أصوله البيولوجية كنوع من أنواع التعبير عند المرور بخطر ما»، كما يرى الفيلسوف جون موريال.. نعم قد يكون صافرة إنذار لوجود ما هو خارج حدود الفهم أو الإنقاذ، وقد يكون حالة من إنكار الواقع، وتعبيراً غير دقيق عن الدهشة والقلق والارتباك والخجل!. في عالم الأنثى المستحيل تطفو ملامح الحزن كأثر لولوجها فضاءات الخشوع أو التأمل.. تبدو حزينة إذا ما كانت تُعالج شعوراً قاسياً بالشوق أو تمارس صِلاتها الداخلية مع الكون أو مع ذاتها.. ملامح الحزن رفيقة الروحانية لدى المرأة.. فيما يبدو الرجل سعيداً ومرحاً في حالات شبيهة! لأن الحب والتأمل والبحث والسؤال والدهشة والخجل تلقي أثراً مرحاً على الرجل، فتنشط روح الدعابة لديه.. ويبدأ بإطلاق النكات أو القهقهة التي تصطدم أفقياً مع قدسية التأمل أو الروحانية لدى المرأة.. ارتطام قد يخلف خسائر فادحة وقد يتهم الرجلُ المرأةَ (بالنكدة) وقد تتهم المرأةُ الرجلَ (بالبلادة).. نحن فقط بحاجة لتحطيم القوالب.. وتفهم تمظهرات الفرح والحزن.. واستحالة فصل المشاعر عن بعضها.. بحاجة لأن يفهم الرجل قدسية الخشوع والتأمل لدى المرأة، وأنه ليس مضطراً لمساعدتها للانطلاق من أسر الحزن البادي له.. وأن تحسن المرأة قراءة مرح الرجل المتمظهر في معاني اللا مبالاة والاستخفاف.
في عالم المرأة المستحيل تكون الأنثى مستعدة للخروج من حالة المرح، وتشرع في تبديل مزاجها بما يوافق مزاج صديقتها.. لن تجد امرأة تقهقه بالضحك في حضور صديقة حزينة.. إن منظر صديقتين تبكيان معاً بسبب حزن إحداهما أمر وارد في عالمنا المستعصي على الرجل.. فيما يأخذ الرجل بيد صديقه الحزين للصعود في معيار الصخب والمرح كنوع من التآزر الحميم وتهميش الألم!..
* رسالة للرجل: «نحنُ لا نحزن شهوة في ذلك، ولكنَّنا نحزن لأنَّنا لا نملك أجوبة لأسئلتنا المستعصية»(*)
(*) واسيني الأعرج
kowther.ma.arbash@gmail.comkowthermusa@ تويتر