أمام وزارة الإسكان عقبات ومشكلات عويصة لابد أن تواجهها بشجاعة وجرأة وحزم ورؤية شمولية لتحقيق الغاية النبيلة التي يهدف إليها القرار الملكي الكريم بتحويل مسؤولية المنح من وزارة البلديات إليها؛ لعل من أهمها:
- الإفادة من نص هذا القرار الملكي الحكيم لاستخلاص أكبر قدر من المساحات التي تملكها الدولة المحيطة بالمدن، والسعي إلى تملكها أو استرجاعها من الأفراد أو الجهات الحكومية إذا كانت في غير حاجة ماسة لها، ونحن نعلم أن بعض الوزارات تطلب منحها مساحات كبيرة وواسعة بالقرب من المدن وتظل معطلة دون إحياء أو بناء سنوات طويلة، وينطبق الأمر نفسه على الأفراد؛ فقد يكون في مقدور وزارة الإسكان اللجوء إلى خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - لاستعادة ما يمكن أن يعد تجاوزا أو استغلالا للنفوذ أتاح الحصول على مساحات شاسعة تطوق بعض مدننا وتفوت الفرصة على أية جهة - مثل وزارة الإسكان - للإفادة منها، وتظل مشبكة معلقة إلى أن يشاء من وهبت له بيعها بأغلى الأثمان على راغبي السكن والباحثين لهم عن مأوى ولو كان على بضعة أمتار مربعة بأغلى الأثمان.
- جاءت كلمة « القرض « مبهمة وغير محددة، وربما أورد القرار الكلمة مبهمة مطلقة بقصد واضح؛ وهو عدم التقيد بسقف محدد للقروض؛ وإنما يتم النظر فيها بين حين وحين حسب التغيرات في تكلفة البناء ومواده، وهو ما يتيح فرصة للنظر في إمكانية زيادة القرض من 500 ألف إلى مليون ليس عن طريق البنوك بضمان الصندوق وإنما عن طريق الصندوق نفسه، والدولة ولله الحمد قادرة على رفع ميزانية الصندوق عشرة أضعاف، والمبلغ التريلوني الضخم الذي رصدته الدولة لحل مشكلة الإسكان قادر على تحمل رفع القرض إلى الضعف.
- ورد في القرار الملكي هذا النص «.. بأن يتم تسليم جميع الأراضي الحكومية المُعدَّة للسكن، بما في ذلك المخططات المعتمدة للمنح البلدية، التي لم يتم استكمال إيصال جميع الخدمات وباقي البنى التحتية إليها، إلى وزارة الإسكان؛ لتتولى تخطيطها وتنفيذ البنى التحتية لها، ومن ثم توزيعها على المواطنين حسب آلية الاستحقاق» وهذا يعني ألا تكرر وزارة الإسكان الأسلوب الذي انتهجته وزارة البلديات الذي كان قائما على سدح المخططات في البراري النائية وإسناد تقسيمها إلى مكتب استشاري هندسي يدفع المواطن لاحقا ثمن تخطيط قطعته ورسمها كروكيا، ويستلم وثيقة أرض خالية من الخدمات مطلقا؛ وغير صالحة للسكن أو حتى للبيع بثمن مجز يمكن الزيادة عليه لاستبدالها بقطعة قريبة؛ لا يريد القرار الملكي تكرار هذا الأسلوب الذي راكم وعمق مشكلة الإسكان؛ بل يطمح إلى أن تنهض وزارة الإسكان بمسؤولية اختيار المخططات السكنية القريبة الصالحة للسكن والبناء، ثم تهيئتها بصورة تامة بإنشاء البنى التحتية الخدمية من ماء وكهرباء وهاتف وصرف صحي وطرق وأرصفة ومدارس ومساجد ومرافق أخرى لازمة لكل حي سكني.
- لم يشر القرار إلى الموقف من منح قديمة مُنح أصحابها وثائق؛ ولكن تعثر إصدار صكوك لها؛ لوجود عوائق فنية أو بسبب سوء الإدارة، وربما مضى على صدور الأمر الملكي الكريم بتلك المنح خمس سنوات أو أقل أو أكثر؛ فما مصير من يملك وثائق منح معلقة لم تصدر لها صكوك بعد؟!
- يشير القرار الملكي إلى أن على وزارة البلديات «أن تتوقف فوراً عن توزيع المنح البلدية التي تتم من قِبل الأمانات والبلديات بموجب ما لديها من تعليمات، وأن يتم تسليم جميع الأراضي الحكومية المُعدَّة للسكن، بما في ذلك المخططات المعتمدة للمنح البلدية سالفة الذكر « فهل يعني هذا أن ما صدر من منح بأمر ملكي غير داخل في هذا التوجيه، وأن وزارة البلديات ملزمة بتطبيق ما صدر من منح بأمر ملكي إلى تاريخه، وأن توقفها عن التطبيق يقتصر فقط على ما يصدر من وزارة البلديات نفسها فقط ؟ هذا يحتاج إلى توضيح من وزارة الإسكان أو البلديات؛ لقطع الظنون ونفي الالتباس والحيرة من نفوس مواطنين كثيرين كانوا ينتظرون إصدار صكوك تملك على قطع محددة معلومة بوثائق رسمية ولكنها معلقة لم يصدر لها صكوك بعد ويخشون أن تطول المدة أكثر لو أحيلت وثائقهم إلى وزارة الإسكان من جديد، وهي لا تعلم عن أوضاعهم ولا سير معاملاتهم ولا ما تم بشأنها من إجراءات.
أما تأثير قرار «أرض وقرض» على أسعار الأراضي، وهو موضع تساؤلات هذا المقال بجزأيه؛ فإن الغاية النبيلة من إصدار هذا القرار الحكيم هو معالجة أوضاع الإسكان المتأزمة؛ أي كسر شوكة تصاعد أسعار الأراضي تصاعدا جنونيا؛ ولكن هل سيتحقق هذا المطلب الشريف الذي تغياه وهدف له صاحب القرار ؟!
والجواب على هذا التساؤل: ما يتبين للمتابع الحصيف أن نقل ملايين الأمتار من الأراضي في أنحاء المملكة كافة وحصرها بصورة دقيقة، سواء تلك التي كانت تملكها وزارة البلديات والشؤون القروية، أو ما تملكه الدولة نفسها، أوجهات حكومية أخرى، أو أفراد ربما لا يملكون على ما يدعون ما يثبت ملكيتهم بصورة شرعية وقانونية صحيحة؛ نقل ذلك كله إلى وزارة الإسكان سوف يستغرق وقتا طويلا ولن يكون تخليص ما هو شائك ومعلق بين جهتين أو عدة جهات أو ما هو موضع ادعاء أمرا سهلا، ثم إن تهيئة الأراضي المناسبة الصالحة للسكن وتنفيذ البنية التحتية الخدمية اللازمة سيستغرق وقتا أطول أيضا، ووضع الآلية المناسبة للاستحقاق والإقراض ودراسة رفع سقف القرض الكافي أو المقارب لتغطية تكاليف البناء وهو مليون ريال؛ كل ذلك سيستغرق وقتا أيضا، وهو ما يدعو ملاك المخططات داخل المدن أو القريبة جدا منها إلى أن يتمسكوا بأسعارهم التي وضعوها سابقا، وربما يغالون فيها.
الانخفاض المتوقع من الآن وإلى أن يتم تنفيذ أول خطوة في أول مخطط سكني تتبناه وزارة الإسكان سيكون من نصيب المخططات البعيدة النائية عن المدن؛ أما ما كان منها داخل المدن أو قريبا جدا منها فلن يتأثر؛ بل ربما يرتفع بصورة غير متخيلة؛ لشح المعروض داخل الأحزمة الدائرية في كل مدينة.
وإن وجود عوامل قوية مؤثرة؛ كالانفجار السكاني الهائل لدينا، ونمو طبقة الشباب المتطلع إلى بناء أسرة والحصول على وظيفة من خريجي الجامعات أو العائدين من البعثات؛ سيشكل ذلك كله داعما لسوق العقار كي يحافظ على أسعاره، إن لم تتصاعد بصورة غير متوقعة؛ لعدم وفاء المشاريع السكنية بحاجة المواطنين على مدى السنوات العشر القادمة على الأقل، إذا علمنا أن التملك لا يشكل الآن إلا 20% في المائة فقط من مجموع السكان حسب آخر الإحصائيات.
moh.alowain@gmail.commALowein@