يتفرد الإعلام الأمريكي بقدرته الفائقة على تضحيم «الحدث»، أو «تحجيمه» وفقا لما يراد له أن يتبع هذا الحدث، وهذا الأخطبوط الإعلامي يرتبط ارتباطا وثيقا بالسياسة، والساسة، ولست بحاجة لأن أذكركم بتغطيته لاحتلال الكويت في 1990، والتعبئة التي قام بها بعد أحداث سبتمبر في 2001، وكذلك قبل احتلال العراق في 2003، وقد تابعنا تغطية هذا الإعلام لتفجيرات بوسطن الأخيرة، وبات واضحا أن الولايات المتحدة قد وعت الدرس جيدا منذ أحداث سبتمبر، فقد كانت تغطية أحداث بوسطن عبارة عن دروس مجانية لأحدث ما توصل له الإعلام من تقنيات، وكذلك قدمت وكالة المباحث الداخلية (اف بي آي) دروسا في كيفية تعقب المجرمين، وملاحقتهم، وفي النهاية تم اعتقال «المتهم»، الإرهابي، والذي أقلق العالم بأسره لعدة أيام، واتضح أنه الشاب الشيشاني المراهق «جوهر»، فمن هو هذا الشاب الذي ضحى بحياته قبل أن تبدأ؟!.
هو شاب شيشاني قدم إلى أرض الأحلام الأمريكية، وهو طفل في عام 2002، والغريب في الأمر أنه حصل على الجنسية الأمريكية في الذكرى الحادية عشرة لأحداث سبتمبر، أي في الحادي عشر من سبتمبر لعام 2012، أي قبل سبعة أشهر من الحادثة الإرهابية، ولا يستطيع الإنسان أن يتخيل أن شابا في مثل هذا العمر، أتيحت له فرصة يحلم بها الملايين حول العالم، وهي الحصول على الجنسية الأمريكية، وحصل على منحة للدراسة في إحدى أرقى الجامعات سيضحي بكل هذا، وينهي حياته بهذه الطريقة المأساوية، فهل يا ترى كان هذا الشاب ضحية لتنظيم إرهابي؟، أم أنه، وشقيقه تصرفا بشكل فردي، ثم لو افترضنا ذلك، فلماذا؟، وما هي الدوافع؟، ولن يعرف أحد تفاصيل ما حدث إلا بعد انتهاء التحقيقات، وماذا بعد؟!.
لنفترض جدلا أن جوهر كان ضحية لتنظيم القاعدة، خصوصا وأنه من الشيشان، فإننا يجب أن نتساءل عن «القيم والأخلاق» التي يحملها «كبار» هذا التنظيم، إذ إن لهم تاريخا طويلا في التغرير بصغار السن، ومعظم العمليات الإرهابية التي عانينا منها طويلا قام بتنفيذها «شباب» في مثل سن جوهر، كما أن معظم الذين روعوا ذويهم، وشاركوا في المعارك التي لا ناقة لهم فيها ولا جمل حول العالم، كانوا في مثل سن «جوهر»، ويشعر المرء بالغيظ، والحنق على رؤوس هذا التنظيم، والذين يتقلبون على آرائك الحرير، ويتاجرون بالملايين، ويتعالجون في أفضل المشافي، ويرسلون أبناءهم إلى أرقى جامعات العالم، في الوقت الذي «يغررون» بأبناء غيرهم، ويرسلونهم للموت المجاني، ويستنكف حتى من تغير من هؤلاء الرؤوس عن أن يقول «آسف» لمن غرر بهم فيما مضى، فهل ينتهون؟!.
ahmad.alfarraj@hotmail.comتويتر @alfarraj2