Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناMonday 22/04/2013 Issue 14816 14816 الأثنين 12 جمادى الآخرة 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

متابعة

الأهالي نفذوا مشروعاً رائداً يرسخ عشقهم ووفاءهم لماضي وتراث أجدادهم وآبائهم..
«عودة سدير» .. بلدة الكنوز المطمورة

رجوع

«عودة سدير» .. بلدة الكنوز المطمورة

تحقيق - حاسن البنيّان:

توقعت عندما دعاني الإعلامي والمربي الزميل عبدالله الضويحي، مع نخبة من كتّاب الرأي والباحثين والصحافيين والأكاديميين ومسؤولي الإعلام المرئي والمسموع، نيابة عن أسرة الضويحي لزيارة (عودة سدير)، هذه البلدة الوديعة المشهورة بكثرة نخيلها وآبارها وأطلال آثارها والتي تقع على مسافة حوالي 140 كيلو متراً إلى الشمال الشرقي من العاصمة الرياض، توقعت أننا ذاهبون وزملائي إلى رحلة سياحية - ترفيهية نمتع فيها الأنظار بالمباهج الطبيعية للصحراء ونستنشق الهواء النقي للمزارع والبساتين ونرتشف المزيد من أقداح القهوة في أجواء خطابية - احتفالية، وهي بالتأكيد رحلة لن تخلو من الالتفاف حول صحون (المفطحات) ومن ثم (ما بعد العُودْ قُعُود)..!!

هذه كانت الأفكار التي دارت في خاطري، وأنا وزملائي المدعوون نستقل الحافلة في طريقنا إلى (العودة)، وهذه الكلمة الأخيرة معناها في لهجة أهل الجزيرة والخليج (الأم أو الجدة الكبيرة أي العودة)..!!

لكنني اعترف أنني عدت من رحلتي مساءً إلى الرياض وأنا مشحون بصور مبهجة وبديعة حملتها عن هذه الرحلة واللقاء القصير الذي جمعنا بأهالي (عودة سدير) تمثل في ما شاهدناه ولمسناه من عشقهم ووفائهم وحنينهم وإخلاصهم لعراقة ماضي وتراث وحضارة بلدتهم، واعتزازهم وفخرهم بمسيرة كفاح ومعاناة أجدادهم وآبائهم الذين واجهوا بشجاعة واقتدار قسوة الحياة وشظف العيش وقهر الفقر والفاقة وافتراس الأمراض لأجسادهم النحيلة، حيث تكاتف الجميع - أقصد الأهالي - غنيهم وفقيرهم، رجالهم ونساؤهم، فتيانهم وفتياتهم، صغيرهم وكبيرهم، ليقودوا حملة ناجحة وموفقة، كان شعارها (اولأد العود.. عيدوها) عندما أقاموا قبل سنتين احتفالاً شعبياً لمدة 4 أيام تزامن مع حلول عيد الفطر السعيد، فشمروا عن سواعدهم جميعاً لتوثيق حضارة وتاريخ بلدتهم القديمة من خلال ترميم مبانيها لتشكل (قرية تراثية) تحافظ على بقاء البيوت والمسجد والأسواق والمدرسة والمزارع والآبار والصناعات والحرف الشعبية فيها بكل مكوناتها المعمارية التقليدية وخصائصها التاريخية والأثرية، خاصة أن هذه الأحياء لم تصلها معاول الهدم والإزالة مثلما في مناطق أخرى..

مشروع وطني.. رائد..!!

ويهدف هذا المشروع لإنعاش البلدة القديمة ولتكون مقصداً للزائرين والسواح، وتعزيز ارتباط الأهالي وبالذات الأجيال الشابة الجديدة بحضارة هذه الأرض وأهلها وتراثها، كما يهدف المشروع في المحافظة على أملاك الأهالي من أصحاب البيوت وفق حدود وملكية كل بيت لضمان عدم زوال معالمها مع تقادم الزمن، ولهذا الغرض تم تكوين فريق عمل من بعض الأهالي لمتابعة عمليات الترميم وإعادة البناء، وقد لقيت هذه الفكرة تجاوباً واسعاً من أهالي (العودة) مما أسهم في نجاح الحملة وما زال العمل قائماً ومستمراً في هذا المشروع الرائد، وهناك توجه لإدخال الأهالي من أصحاب الأملاك في (القرية التراثية) كمستثمرين وتشغيلها وتسويقها سياحياً وإيجاد فرص عمل لأبناء البلدة وتشغيل أسر منتجة لتحقيق عوائد مالية وزيادة النشاط السياحي للقرية لتشكل قبلة للزائرين والباحثين والسياح..

والذي شاهدناه خلال جولتنا من إنجازات داخل (القرية التراثية) يدلل على الجهود الكبيرة التي يبذلها الأهالي والعاملون في لجنة التطوير للتسريع في تنفيذ مشروع القرية التراثي - السياحي، ويؤكد مرافقونا في الجولة أن ما تحقق وما سيستكمل من إنجازات يتم بجهود ذاتية ودعم مباشر من أهالي (عودة سدير) وفي مقدمتهم رجل الدولة وابن البلدة معالي الشيخ عبد الرحمن بن إبراهيم أبو حيمد، وبمساهمة عدد من رجال الأعمال من بينهم الشيخ محمد بن عبد الله السعيد والشيخ عبد العزيز بن سلطان الحسين والشيخ عبد العزيز بن محمد القاسم وغيرهم..

وقد أتاح لنا المنظمون للرحلة بقيادة مهندسها الزميل عبدالله الضويحي القيام بجولة ماتعة شممنا من خلالها عبق تراث الماضي العريق وعادت بنا الذاكرة إلى ذلك الزمن الجميل، ونحن ندلف إلى الأحياء الشعبية المتلاصقة بشوارعها وممراتها الضيقة وأبوابها المشرعة المتقابلة، وهي التي ستمثل (القرية التراثية)، فتم إطلاعنا على عمليات الترميم وإعادة التأهيل للبيوت والأسواق والساحات، فتشكلت أمام أنظارنا قصص نجاح لتخليد الحفاظ على موروثنا وتراثنا الشعبي، بإبراز هذه الصور الناصعة الجميلة عن حياة الأجداد والآباء، فتحولت بعض البيوت إلى متاحف ومعارض للصور القديمة ومجالس مكوناتها من الطين واللبن وجذوع النخيل وفرشها من المنسوجات والمقتنيات والحرف والصناعات التقليدية، كما لم تخلو من بعض (مكسرات) الماضي البعيد من أطباق ومأكولات شعبية، وأينما تلفت حولك تجد نفسك داخل (قرية) قبل 300 عام على أقل تقدير. ومن المفارقات ونحن نتجول بين البيوت الشعبية وممراتها وشوارعها الضيقة وبساتينها، كنا نشنف آذاننا بهدير أصوات (مواطير) سقيا المزارع من الآبار..!!

بيوت مهجورة.. منذ 500 عام..!!

سألت أحد المرافقين لنا عن تاريخ هجرة أهالي هذه الأحياء لها، فأجابني بقوله: ليس قبل نحو 300 -500 عام تقريباً، قلت له: مع ذلك توجد بيوت ومزارع شبه متماسكة، فأشار بيده إلى بعض المنازل قائلاً: هذه البيوت وهذه المزارع تعرضت للدمار والهدم نتيجة الأمطار والسيول الجارفة، وأضاف: انظر هذا موقع المدرسة الوحيدة في القرية ما زالت معظم شواهدها قائمة..!!

ونحن نتجول أمام السوق الشعبي في (القرية التراثية) إذ دكاكين العطارة وباعة الحبوب والخضار والبهارات واللحوم، أخذ بيدي معالي الشيخ عبدالرحمن أبو حيمد مشيراً إلى أحد الدكاكين وكانت مساحته لا تزيد عن 3م وقال موجهاً حديثه للجميع: هذا الدكان الذي ترونه أمامكم كان (هايبر) القرية في ذاك الزمن لا تزيد عن 2م، وقد أبلغني أحد المرافقين أن هذا (الدكان) يعود إلى والد أبوحيمد..!!

وخلال جولتنا شاهدنا أمامنا أطول منارة لمسجد القرية، قيل لنا أن ارتفاعها يصل إلى 24 متراً، ومن أن المؤذن كان يرتقي هذا الارتفاع الشاهق والمضني في كل يوم ست مرات (إذا ما حسبنا نداء الآذان الأول للفجر)، ولاحظنا أن عمليات ترميم المسجد ما زالت قائمة. ولفت انتباهي ونحن نمر من جوار حلقة كتاتيب القرية، قريباً من ساحة المناسبات، وجود أحواض مغمورة بالطين واللبن، قيل لي أنها تشكل الخلطة الخاصة لمواد الترميم وإعادة بناء بيوت القرية، وهي تبقى في التخمير لمدة تقارب 3 أشهر لمزيد من تماسكها وقوة فاعليتها..

ويتجاوز اهتمام أهالي (عودة سدير) إقامة القرية التراثية، إلى إقامة مشاريع اجتماعية وخدمية وتراثية، من أبرزها إعادة ترميم البوابات (الدراويز) والأسوار وأبراج المراقبة والآبار وإنشاء قاعة للحفلات والمناسبات ومركز للخدمة الاجتماعية ومشروع سكني، وتنظيم جائزة سنوية لتكريم المتفوقين والمتميزين من الطلبة والموظفين..

البلدة.. المنسية..!!

وأثناء اللقاء بالأهالي سمعنا كثيراً من (العتب) على جهاز الهيئة العامة للسياحة والآثار، أو على حد قولهم: «بلدتنا منسية من المختصين في البحث والتنقيب بالهيئة»، برغم أن (عودة سدير) تحوي كنوزاً آثارية وتاريخية لما قبل 1500 سنة على أقل تقدير، منها ما هو فوق الأرض ومنها ما هو مطمور في جوفها. كما يتطلع الأهالي إلى مبادرات من علماء الآثار والتاريخ والجيولوجيا بزيارة بلدتهم..!!

ويؤكد الأهالي أن الاهتمام الوحيد الذي يتذكرونه للجهات المسؤولة هو وجود (شبك) أقامته وكالة الآثار والمتاحف بوزارة (المعارف) آنذاك قبل نحو 3 عقود يحيط بآثار قصر (غيلان) التاريخي، وما زال هذا (الشبك) جزءاً من أطلال هذا القصر..!!

وقد اصطحبنا مرافقونا إلى هذا القصر الذي يقبع فوق سفح جبل مطل على (وادي سدير) ولم يتبق منه الآن سوى أطلال بعض أسواره وبئر عميقة محفورة في صخر الجبل تتوسط القصر، قيل إنها تحوي كنوزاً وأسراراً عن القصر وصاحبه (غيلان)..!!، وعندما تساءلنا عن ما هو هذا (غيلان)، ردّ أحد المرافقين بالقول: للأسف كتب التاريخ لم توثق تفاصيل عن شخصية (غيلان)، ونحن في (العودة) لا نعرف سوى اسمه..!!

واطلعنا مرافقونا قبل أن ندلف هذا القصر، على آثار هي عبارة عن أحجار مرصوصة ومتناثرة قيل لنا أنها لموقع (مصلى) قبلته باتجاه (بيت المقدس)..!! وفي هذا تناقض مع قول المؤرخين الذي يصف تاريخ البلدة بأنها (مدينة جاهلية)، ولم نسمع جواباً..!! بل إن مرافقاً آخر أبلغنا عن العثور على موقع لكنيسة مطمور تحت الأرض، وهذا يدلل حاجة هذه البلدة لقدوم باحثين وخبراء تنقيب لاستكشاف ثرواتها وكنوزها الآثارية والتاريخية تحت الأرض وفوقها..

مدينة جاهلية عمرها 1500 عام..!!

وعندما نعود لأول دراسة علمية - تاريخية موثقة عن بلدة (عودة سدير) فيجدر بنا أن نعود للمؤلَف القيّم الذي صدر لابن البلدة البروفسور عبد العزيز بن محمد الفيصل تحت عنوان (عودة سدير)، فهو يصف تاريخ بلدته بأنها «مدينة جاهلية قديمة تشهد بذلك آثارها قبل نحو 1500 عام على أقل تقدير»، ويضيف «تاريخ (العودة) يعود لأزمنة غابرة، ومن أن المؤرخين لم يحددوا نشأتها سوى القول أنها مدينة جاهلية كما عرفت قديماً بـ(جماز) وهي كثيرة النخل والآبار وأطلال الآثار وهي تقع أسفل وادي سدير..»

وحول آثار البلدة، يكشف د. الفيصل عن وجود آثار مطمورة تحت الأرض في (القرناء) التي تعد من أقدم أحياء (العودة)، عبارة عن مقبرة عثرت عليها الشركة المنفذة لطريق (الرياض - سدير - القصيم)..

ويشير الباحث إلى أن البلدة القديمة كانت تحوي خمسة أحياء هي:

- (العودة) الحالية المعمورة الآن.

- مدينة (غيلان) وهي التي تضم قصر (غيلان) التاريخي.

- (جمّاز) وهي الآن مجرد أطلال وأبنية متهدمة وأحجار متناثرة..

- (قرناء) أقدم الأحياء، تشتمل على آثار مطمورة تحت الأرض..

- (مسافر) من الأحياء المندثرة، لم يهجره أهله إلا منذ 300 عام أو ما يقارب ذلك، ربما بسبب القحط والجدب الذي أصاب بلدة (العودة) سنة 1135هـ.

وعند دخولنا مشارف البلدة، عرّج بنا منظمو الرحلة إلى (كهف) يسمى (غار أبا ثليمة)، وهو كهف يقع في أعلى شعيب (أباثليمة) أسفل وادي عودة سدير، يمثل الآن ملتقى ترويحي للسكان.

شكر.. لابد منه..

وختاماً يجدر بنا، أن نقول كلمة حق بحق أهالي (عودة سدير) الذين تفانوا في حفاوتهم واحتفائهم وإكرامهم للوفد الزائر ومشاركتهم في الاستقبال والمرافقة وتقديم الشرح، وفي مقدمهم رجل الدولة معالي الشيخ عبد الرحمن بن إبراهيم أبو حيمد ومحمد بن عبد الله السعيد وعبد العزيز بن عبد الله الضويحي وعبد العزيز بن سلطان الحسين وعبد العزيز بن حسين الضويحي وعثمان بن حمد العيسى ومحمد بن عبد العزيز الضويحي وعبد العزيز بن راشد الحاتم ودباس بن عبد الله المشاري وعبدالله بن عبد العزيز الضويحي. ولن ننسى جهود وأريحية مهندس الرحلة زميلنا الوديع عبدالله الضويحي. وللجميع مني ومن كافة زملاء الرحلة خالص الامتنان والتقدير.

رجوع

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة