- يخوض جيلُنا الشاب مواجهةً قاسيةً مع تحديات الغد: أحلاماً وآمالاً وهواجسَ يتقاسمها الخوفُ والقلقُ، وهي مواجهةٌ ذات شُعَبٍ، أبرزُها: محاولةُ التعرف على ذواتهم عبر العملية التربوية واكتشاف مواهبهم وقدراتهم وتنميتها، والتزوّد بـ(وقود) العلوم النافعة والنضج عقلاً وروحاً، إضافةً إلى الخبرة وشيء غير قليل من التجربة كي يبلغُوا يوماً مستوىَ البذلِ المتميّز خدمةً لأنفسهم ولوطنهم.
- وأحسب أن هذا الجيلَ يفتقر إلى من يسدي له النصح الصادقَ والأمينَ والمفيدَ بأسلوب ينفذ أثرهُ إلى العقل ولا يغادره، وأن يُحسنَ هو اختيار مَنْ ينصحُه، فلا يستمع إلى كل ناعق لا خبرةَ له ولا إنجاز يمطر سمعَه بتَواشيحَ من الكلام الذي لا يُسمن عقْلاً ولا يُغِني روحاً.
- وفي هذا السياق، طُلب مني مرة، أن أطرح النصحَ لجيلنا المعاصر فقلت:
- كلماتٌ كثيرة يفيض بها الخاطر عن هذا الجيل، الذي نحبه ونخشى منه وعليه في آنٍ، نحبُّه لأنه فلذةُ الروح فينا، ونخْشَى منه وعليه أن ينحرفَ عن مسَار الحياة القويمِ فيسيء لنفسِه ولنَا معه.
- وبالرغم من زهد التجربة، التي لا تؤهلني لاعتلاء منِبر الناصح لهذا الجيل، إلاّ أن جُرأةَ السؤال وأهميتَه يمنحَانني الرغبةَ الصادقة في التصدّي له بكلماتٍ معدوداتٍ أوّجهُها إلى هذا الجيل الغالي وهو يقف على أعتاب بوابة المستقبل.
أولاً: الجامعةُ ليست كلَّ شيء يُطرقُ به بابُ المستقبل بحثاً عن النجاح بل هي جزء من معادلة حياتية قد تؤدّي إلى نجاح وقد تنتهي بفشل، وهي وسيلة، إنْ أحسَنتَ استثمارَها، أحسَنتْ إليك، وإن كان العكس، تجاهلتْكَ.. وأنكرتْك! وتبقى خِيَاراتُ النضالِ من أجل غد أفضل مفتوحةً لكل ذي عقل وبصيرة من هذا الجيل.
ثانياً: احترموا أدابَ العمل وأخلاقيِاتهِ، وفروضَه ونوافلَه، فالعمل النافع صراط تتحقّق به الذات.. وتسمُو وتنمُو، لا يدَعْ أحدُكم لسانَه يتحدث عنه، تزكَّيةً له أمام وليَّ أمره، عملهُ وحدُه هو القادرُ على ذلك!
ثالثاً: لا تُشْغَلكم زينةُ الحياة الدنيا ونعيمُها المادي عن ثلاثة:
1) ربّكم الله الذي أنعم عليكم بالحياة، ومكّنكم أن تتعلموا ما لم تكونوا تعلمون.
2) ثمّ أُمّهاتكم اللواتي حملنْكم وهْناً على وهن، لا يَرجين من أحدكم جزاءً ولا شكوراً سوى الحبّ والدعاء، ثم آباؤكم الذين بذلوا لكم الجودَ والموجودَ، كي تبلغَوا من شأنكم ما بلغتَم، وليسعدوا هم بذلك.
3) ثمّ وطنكم الذي منحكم هُويةَ الأرض وكرامة الأصل، وأريحية الانتماء، وسخَّر لكم مقوَّمات النموّ، لتبلغَوا من شأنكم ما تريدون.. أوْفِوا له الجزاء بالولاء ثم بالقول والعمل، سرّاً وعلانية.
رابعاً: أما الذين يُؤرقُهم الحنينُ إلى الحرف الجميل، فأقول لهم: الكتابة عشقٌ لا صنعة، وموهبةٌ لا بدعة، فمَنْ شاء منكم أن يكتبَ، فليفعلْ، ولكن عليه أن يحاسب نفسَه، طرحاً وأسلوباً، قبل أن يُحاسبَ، وأن يحترمَ إحساسَ القارئَ وذكاءَه، وألاّ يستعجلَ النجاحَ، أو يزايدَ على فطنة القارئ أو يراهنَ على رضاه، لإن رضا القارئ الحصيف غايةٌ لا تدرك، ولو حرص مَنْ حرص، فالقارئ في النهاية، هو الخصم.. وهو الحكم.
خامساً وأخيراً: لا تستعجلوا النجاح تمنّياً، ولا تسْتسْهلوه ارتجالاً، وتذكروا القول الخالد: (وما نيلُ المطالب بالتمنّي، ولكن تُؤخذُ الدنيا غِلاباً)!