كانت ليلة استثنائية بكل المقاييس.. فالمحاضر مختلف والجهة المستضيفة مختلفة والموضوع مختلف والمدينة مختلفة والمناسبة مختلفة. أما المحاضر فصاحب السمو الملكي الأمير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز آل سعود نائب وزير الدفاع. أما الجهة المستضيفة فالجامعة الإسلامية. هذه الجامعة التي استطاعت أن تحجز لها مكاناً متميزاً بين قريناتها من الجامعات السعودية لتصبح منارة للوسطية والاعتدال في وطننا الغالي. أما موضوع المحاضرة فكان سلطان الخير. أما المدينة فهي طيبة الطيبة. أما المناسبة فكانت اختيار المدينة المنورة عاصمة للثقافة الإسلامية.
وبكل هذه المقومات كانت المحاضرة استثنائية بكل ما تحمل الكلمة من معنى.. حيث رأيت في قاعة المحاضرة صورة مصغرة للوطن بكافة أطيافه تنعكس فيها مشاعر اللحمة الوطنية والتفاف القيادة حول الشعب. كان الجميع متأثراً بوفاة سلطان وكأنه مات للتو، حيث دمعت العيون وحشرجت الصدور وتضرعت الأكف بالدعاء للفقيد بأن يتغمده الله بواسع رحمته. وهنا قد يتساءل أحدهم عن سبب هذا الحضور الطاغي لسلطان الخير حتى بعد وفاته ورحيل جسده. والجواب أن هذا يأتي مصداقاً لما جاء في الحديث النبوي: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية أو من علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له». وكما قال سمو الأمير خالد بن سلطان: «أما الولد الصالح فأنتم أبناؤه الذين لن يبخلوا بالدعاء له والتضرع إلى الله طالبين له المغفرة والرحمة، وأما العلم النافع فمشاريعه العلمية والتعليمية والبحثية وإقامة المسابقات في مختلف المجالات التي كلها خير شاهد على ذلك العلم، وأما الصدقة الجارية فمشروعاته الإنسانية والخيرية والعلاجية، وما أوقفه من مال في سبيل استمرارها خير دليل على ديمومة الصدقة التي نرجو أن تشفع له يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.»
فسلطان الخير لم تنقطع صلته بالدنيا.. فله من الولد الصالح من يدعو له سواء من أنجال سموه أو أبنائه المواطنين، بل ويشمل الدعاء لسموه الكثير ممن يعيشون خارج حدود الوطن. أما الصدقة الجارية فما أكثر حضورها في أعماله. يقول اللواء الدكتور فيصل بالي في مداخلته في المحاضرة: «أنا شاهد على أعمال سموه الخيرية وعلى مشاعره الفياضة التي لا توصف، وكنت شاهداً على موقف حين عرض على سموّه تقرير تلفزيوني حول الجفاف في إفريقيا وكيف أن النساء والأطفال يحفرون جحور النمل لأخذ الطعام منها وكيف تأثر سموه بذلك، فكلفني بالوقوف على المنطقة وإفادته بالوضع، ثم كون لجنة سموه الخيرية، التي توسعت فيما بعد لتشمل سبع دول».. ويقول الأستاذ حمد القاضي:» اتصلت بقصر سموه الساعة الحادية عشرة والنصف ليلاً لأعرض عليه حالة أخ لي اشتكى من مرض ابنته وما تعانيه من آلام وأن الأطباء اشتبهوا بوجود التهاب كبدي لديها، فتأثرت بحالتها وقلت لن أنتظر إلى الصباح فاتصلت بقصره، فردّ علي موظف السنترال، وطلبت سكرتيراً أو موظفاً لأعرض عليه الحالة ليعرضها على سموه في الصباح، وبعد حوالي ساعة إلا ربع، اتصل بي شخص من مكتب سموّه، وقال: سمو الأمير سلطان يريد مكالمتك، فكلمني سموّه، وقال يا أخ حمد ذكرت أن هناك طفلة اشرح لي وضعها، فشرحته له، فقال هذه تنقل غداً إلى مستشفى القوات المسلحة، ثم طلبني أن أسأل عن حالتها المادية، وعن إمكانية قدومها بالسيارة أو هل تحتاج النقل بطائرة الإخلاء الطبي، فدهشت للموقف واتصلت بوالد الطفلة الذي تفاجأ جداً وأخذ يدعو لسموّه.»
وإذا كنا نعرف بعضاً من هذه الصدقات الجارية إلا أننا نجهل الكثير منها.. حيث ذكر اللواء بالي أن قناة اقرأ طلبت منه ذات مرة أن يقدم لهم تعريفاً عن أعمال سموه الخيرية في إفريقيا فدخل عليه يستأذنه فسمح له ثم لما أراد الانصراف دعاه سموه، وقال: نحن لمن نعمل هذه الأعمال، قال بالي: لله إن شاء الله، فقال سموه إذن فالأفضل أن تبقى بيننا وبين الله، واستشهد سموه بالآية: {إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ}.. يقول بالي فقلت: الحمد لله وقعت في أمير وفقيه».. أما العلم النافع الذي ينتفع به فتشهد الجامعات ومراكز البحوث وكراسي البحوث والمعاهد المختلفة ما لسلطان الخير من تميز في هذا المجال.. رحم الله سلطان الخير وبارك في جهود الجامعة الإسلامية التي تتميز دائماً في التفاعل مع قضايا الوطن ورموزه.
Alabri3@hotmail.com