لعلنا منذ الخطأ الذي وقع لابنة الوطن «رهام الحكمي» بحقنة الإيدز، ونحن لا ننفك عن الحديث عن الأخطاء الطبية المتلاحقة، وكأن سيلا من الأخطاء الطبية قد انفتح سده، ولم يعد يمكن صده، حتى أن خطأ طبيا دفع بإحدى الأمهات لتقف في طريق نائب وزير الصحة لتخبره في معروض شفهي سريع لا يحتمل التأخير، لتقول له: «دخيلتك» ابنتي ضحية خطأ طبي، ثم تطلب منه التدخل لحل مشكلتها، أنا على يقين بأن ملف المخالفات الطبية ملف ضخم في وزارة الصحة، ومعالجته لا يمكن أن يكون من خلال حصر الضحايا وتسجيل قوائم لأسمائهم، ومن ثم تعويضهم لأن وزارة الصحة بهذا الإجراء ستكون بعد مدة قصيرة مدينة لكثيرين، وقضية الأخطاء الطبية لن تحل، وملفها سينمو ويكبر حتى تعجز عن حمله، لكن هناك شيئا لم يقل في هذا الشأن، أقصد قضية الأخطاء الطبية والمخالفات التي نراها ونسمع عنها كل يوم، ومنها قضية رهام شفاها الله مما ابتلاها، إن القضية قضية (أخلاقيات المهنة) وضعوا تحتها من الخطوط الحمراء ما تشاؤون، نعم أخلاقيات المهنة حينما تختل كمعيار تضبط صاحب العمل أو المهمة في كل مجال، فستظل هي الخطأ الكبير وراء كل خطأ طبي، وليس في الشأن الصحي وحده، بل وراء كل خطأ في الصحة، في التعليم، في التخطيط، في المواصلات، في التنمية، في التجارة فحينما يكون هناك خمسة موظفين في بنك الدم كلهم يتغيبون عن عملهم ويكون التسيب، ليرمى كامل العمل على زميل لهم، بما حمل العمل أو المهمة من مسؤولية حساسة، تتصل بعملية سحب دم إنسان مريض بمرض خطير كالإيدز، ونقله لآخر كما تم لرهام فهنا المشكلة والمصيبة، وقسوها على التعليم، فحينما يختل المعيار الأخلاقي للتاجر فسيبيع السلعة بأضعاف السعر، وحينما تفسد أخلاقيات صاحب المطعم فيسعمد إلى بيع الأكل الذي لا يصلح للآدمي، وحينما تسند مهنة التدريس لمعلم تنقصه المعايير الأخلاقية للمهنة، لأنه لا يشعر بالانتماء إليها، فلن يكون همه سوى تسلم الراتب سواء نجح طلابه بالغش أم بغيره أو رسبوا وضاعوا وضاع مستقبلهم، وستخرج المخرجات من تحت يده مريضة مشوهة تعليميا وأخلاقيا وتربويا، وكما قال شوقي «وإذا المعلم ساء لحظ بصيرة.. جاءت على يده البصائر حُولا» فلنعد إلى ما يمكن أن يضبط أخلاقيات المهنة وحذار من أن يصيبه الوهن فهو وراء كل مصيبة وابحثوا عنه وراء كل خلل.