هناك مواقف يقفها الشخص أو المنظمة تكشف عن مدى جدية صاحب الموقف وصدقه وإخلاصه في شعاراته وادعاءاته التي يدعيها.
والجامعات والهيئات التنظيمية الرقابية من المفترض أن لا تنجر إلى الوقوع في حفرة موضة الشارع العام إذا كانت تتعارض مع المبادئ الأساسية في الوضوح والثقة بمعلوماتها والتي هي الأساس التي تقوم عليها مصداقية هذه المنظمات العلمية والرقابية.
فهيئة سوق المال يجب أن تكون موضع ثقة المتعامل بلا تشكيك في مصداقية معلوماتها ووضوحها وشفافيتها. فهي التي تلاحق عمليات التدليس وتطالب بالشفافية المطلقة لتوفير سوق عادل وصحي للمتعاملين. فكيف تقوم الهيئة بما تنهى الناس عنه فتموه الحقيقة وتظهرها بصورة تورط من يثق بها، مستثمرا كان أو مسترشدا.
ففي صفحة تداول -الشركة التابعة لسوق المال التي تظهر عليها المعلومات الرسمية- معلومات عن الصكوك تحت عنوان «خصائص الصكوك والسندات» تظهر فيه الصكوك وكأنها أسهم ممتازة (وهكذا عرفت عن هذه الصفحة، عندما سألني مهتم بالصكوك والاستثمار فيها ظاناً بأن الصكوك أسهما ممتازة بسبب تمويه الهيئة).
ففي جدول مقارنة بين الصكوك والسندات والأسهم جاء في وجه المقارنة الأول تحت «نوع الورقة المالية» بأن الأسهم «ملكية» والسندات «دين»، والصكوك «مشاركة في إيراد»!!! والجميع يفهم معنى الملكية ومعنى الدين، وهؤلاء المالكون والدائنون هم الذين يتشاركون في الإيراد.
المالكون في الأرباح وفي نمو الأصل وأما الدائنون ففي أرباح متفق عليها بنسبة من أصل القرض، وليس لهم نصيب في أرباح نمو الأصل.
لكن ماذا هو معنى «مشاركة في إيراد» في هذا السياق مقابل المليكة والدين؟ ألكون الصكوك دين أم ملكية أم بركة الشيخ أم صدقة لتستحق الصكوك النتيجة المشار إليها المشاركة في الإيراد؟ فالهيئة تدرك تماما أن الصكوك تشارك في الإيراد بنسبة متفق عليها مرتبطة بالفائدة السوقية المتناسبة مع تصنيف المقترض الائتماني وليس لها نصيب في النمو فهي دين كالسند تماما اللهم اختلاف المسمى.
فكان يجب على الهيئة أن تصنفها في سياق نوعها بأنها دين كما هي مصنفة في القوائم المالية وكما هي حقيقتها، أو أن تخبرنا عن التصنيف الثالث الذي لا نعلمه والذي جعلها «مشاركة في الإيراد».
أهذه الشفافية التي توهم بأن الصكوك تختلف في نوعها عن السندات بكلام لا معنى له في سياقه؟ أهذه الهيئة الرقابية المسؤولة على عدم التلاعب وتضليل المتعاملين في سوق المال؟
كما جاء في وجه المقارنة الثاني في تصنيف العوائد بأن الأسهم «أرباح غير محددة» والسندات «نسبة مئوية وبشكل سنوي» وأن الصكوك «أرباح مشتركة»!! ما معنى هذا؟ كلام غير مفهوم؟ أرباح مشتركة مع من؟ مع الدائنين أم الملاك أم مع مستحقي الزكاة؟ أليست هي أرباح بنسبة مئوية وبشكل سنوي أم لا من أصل قيمتها؟ الجواب بلى هي كذلك، مثل السند تماما. والهيئة تدرك ذلك تماما.
فلم الإبهام والتحريف من الهيئة الرقابية التي تدعو غيرها للشفافية والإفصاح وتعاقب على الإخلال به؟ وهذا الوصف غير دقيق خاصة إذا أضيف للوصف الأول فيعتقد المستثمر أنها أسهم ممتازة.
كما أنها تساند الجهات التعليمية التي تشارك في هذا التضليل العلمي بأن الهيئة أصبحت شاهدا لها.
هذه المعلومات عن الصكوك والصيرفة الإسلامية في الكتب وغيره من البنوك والندوات والهيئات الشرعية قد يُقبل كأداة تسويق لا تقيم اعتبارا إلا للربح المادي بغض النظر عن أثره العقلي في الفهم وعن أثره الأخلاقي.
ولكن أن تتفق الهيئات الرقابية مع كثير من الجامعات مع المؤسسات المالية في هذا فهذه مصيبة أمة.
جامعة الأمير سلطان بالرياض لم تتخل عن أمانتها العلمية كما فعلت كثير من الجامعات الأخرى التي تدرس أضعافاً مضاعفة من مثل هذا التمويه الذي مارسته الهيئة.
فقد ناقشت الجامعة مشروع فتح باب تدريس الصيرفة الإسلامية قديما، وأذكر أنها عرضت المشروع بحضور سمو الأمير الدكتور عبد العزيز بن عياف رئيس مجلس أمناء الجامعة. فوجه سموه الجامعة، بأسلوبه الراقي المؤدب المشهود له به وبسياسته الذكية وإدراكه الواعي للأمانة العلمية، بأن الجامعة يجب عليها دوما أن تلتزم بالأمانة العلمية في كل شؤونها، وأن لا تخضع للإغراءات المالية أو الإعلامية، ولا تنزلق في أي موضة عارمة تسمي الأشياء بغير دلالاتها وتضلل المجتمع في فهمه.
فالجامعة تربي الأجيال أخلاقا وأمانة وفهما. وكل مادة لا تقوم علومها على حقيقتها ما هي إلا تشويش وخلط على أذهان أبنائها الطلبة في أفهامهم ومبادئهم.
فبهذا التوجه العام الذي وضعه سمو الأمير الدكتور الصادق الحكيم، ابتعدت الجامعة عن الصيرفة الإسلامية وعن كل ما يمكن أن يخل بوظيفتها التعليمية التربوية.
وقد أثبتت جامعة الأمير سلطان بأنها نبراس علم وأمانة واستحقت بأن تكون قدوة تحتذي بها كثير من الجامعات والهيئات المختلفة في كثير من المجالات.
فكم أنا فخور بهذه الجامعة وشرف انتسابي لها.
hamzaalsalem@gmail.comتويتر@hamzaalsalem